
الكاتب الصحفي عبدالله عبدالسلام يكتب
فى وقت يهتز فيه عرش الكتاب المطبوع حتى يكاد كثيرون يعتقدون أن زمنه مضى، تظهر إشارات عديدة تؤكد أنه باق، وأن موجات الهجرة إلى الكتاب الإلكترونى تتباطأ، بل إن هناك من قام بهجرة عكسية وعاد إلى الكتاب الورقى. مدارس فنلندية عديدة اختارت العودة إليه بعد سنوات من سيطرة الكتاب الإلكترونى.
إدارات تلك المدارس رأت أن الأطفال يحدقون فى شاشات الموبايل ساعات طويلة، مما يصيبهم بالتوتر والتعب، كما أن الأضواء الإلكترونية الزرقاء المنبعثة مضرة للعين. القراءة بعيدا عن الشاشات تزيد من التركيز، فليس هناك تنبيهات أو أصوات أو إلهاء. فقط، عيناك مركزة بين دفتى الكتاب. دراسات عديدة أظهرت أن من يقرأون الكتب المطبوعة تتكون لديهم قدرة أكبر على التذكر بالمقارنة بالكتب الرقمية. أن تقوم بأخذ كتاب من على رف المكتبة وتبدأ فى القراءة، تجربة مختلفة تماما عن قراءة كتاب رقمى تختاره من قائمة على جهازك الإلكترونى.. الأولى بسيطة وسهلة وبعيدة عن التوتر.
الكاتب الاسكتلندى كوانتن جاردين يقول إن تقليب صفحات كتاب مطبوع تجربة أخرجت ملايين البشر عبر القرون من الظلام للنور. عندما تلمس بيديك صفحات الكتاب وتشم رائحته الطازجة. إنها الرائحة الأفضل فى العالم. أغلفة الكتب الورقية المبدعة تتيح للقارئ التأمل وتذوق الجمال، وهذا ما قد لا يتوافر مع «الإلكترونى». أحيانا تحتاج إلى تسجيل ملاحظة أو وضع هامش وأنت تقرأ. هذا الفعل له لذة خاصة مع الورق، لا تدانيها أي ميزة أخرى يتيحها الكتاب الرقمى. الكتاب الورقى يبقى ويدوم ويقاوم الزمن، بينما دور النشر التى طبعته تندثر.
الأمر ليس منافسة ولا تفضيلا لنوع على آخر، لأن أزمة القراءة هى الداء. وقد يختلف الدواء بين ورقى وإلكترونى. المهم أن نحرص على الدواء الذى يجعلنا نبرأ من الجهل والأمية وانعدام الرؤية والبصيرة. ومع ذلك، فإن الكتاب الورقى علاج جربه البشر على مدى مئات السنين، ونتج عنه تراث لا يفنى من العلم والفلسفة والشعر والفن. يكفى أن المتنبى قال فيه: «وخير جليس فى الزمان كتاب».






