وضع الجنين

بقلم د. محمود حسن
نجحت قواتنا المسلحة في عبور قناة السويس ، واقتحام خط بارليف المنيع وأخلت بتوازن العدو في ست ساعات ،
كلمات كان الكل يحلم بسماعها منذ سواد يونية 1967 , حيث أكثر من ست سنوات عجاف اختلطت فيها الدماء بالدموع ، والعرق بالرمال فتشكل من هذا الخليط السحري أعتى الرجال وتكونت قلعة حصينة ووحدة بناها الإنسان العربي الذي بلغ من القوة في جميع خلايا جسده وفكره مبلغا تحطمت أمامه جميع القوى ، وليس ذلك لقوة بنيانه الجسدية فقط ،
إنما كانت هناك قوة اخرى أشد ضراوة وهي قوة العقيدة والإيمان بالقضية العربية ، وكذلك الشعور بأهمية وخطورة العدو المتربص والذي لايغفل لمحة واحدة عن رصد ودراسة ألياتنا وفي كل مناحي الحياة ، وجعل منا حقول تجارب لسياساته القذرة ، وأرحاما خصبة لأجنته الخبيثة ،
فأنجحنا له كل مخططاته ” فصهينا وتصهينا وتأمركنا” وأغلقت علينا دوائر السيطرة النفسية والفكرية ، ونجح في كسر أعيننا وقتل روح المقاومة أو حتى الإستنكار أو الشجب والتنديد الذين كانوا في تصورنا – من قبل – فضيحة سياسية ،
فسلط علينا أنفسنا وقتلنا بأيدينا فتحول النهر البارد إلى جحيم وأشعل نيران الفتنة بين الشيعة والسنة ، وفتح وحماس ، وحزب الله وحكومتها ، ودارفور وخرطومها ، والأخوان والوطن ، والمسلم والمسيحي ، والكردي والدرزي والعلوي والبدوي ، والأهلي والزمالك ،
ولم يطرد سفير ، ولم يستيقظ ضمير ، ولم يخرج من الفك لسان ، ولم يصدر للعالم بيان وكأن السلاطين بلا آذان ، ودماء الأطفال شهود عيان ،
وتمكن العدو من وضع يده القذرة على عوراتنا فأفقدنا عذرية ، كرامتنا وجردنا من ملابس النخوة والشرف ، وخلع علينا ملابس ليلية شعرنا معها في نشوة غارقة – بعد ان أسكرنا – أنها ملابس أنيقة ولائقة فاستمتعنا بجميع الأوضاع التي يمارسها معنا ،
ولم يكتف بذلك خشية منه أن نشيخ أمامه فلا يسل لعابه علينا ، فعكس الوضع وأخذ يسرق شبابنا ، ويسحب من رصيد أعمارنا حتى عدنا أطفالا تلهوا تغرينا لعبة ، وتبكينا شخطة ، وتسكتنا قطعة سكر ،
وتفوقت علينا النعامة التي تدفن رأسها في الرمال مكرا وتحايلا ،
أما نحن فوضعنا رؤوسنا بين أفخاذنا في وضع جنين حبله السري في فم العدو ، فأصبحنا بحالة ولادة متعسرة نضطر معها للتضحية بالأمة والجنين .
فإلى متى سيظل هكذا الحال العربى ؟؟






