الملحن فتحي جنيد

الأديب السكندرى مصطفي نصر يكتب
ولد الفنان فتحي صلاح عبد الحميد جنيد في شارع متفرع من شارع عرفان في حي محرم بك الشهير بالإسكندرية في عام 1914 ( في بداية الحرب العالمية الأولى ) لوالد من كبار تجار الأقمشة. جاء إلى الإسكندرية من جزيرة كريت باليونان.
كان فتحي جنيد الإبن الأول للعائلة الصغيرة، فنال كل الإهتمام والرعاية. وغنت له الأم بصوتها الجميل وهي تهدهده. فنشأ منذ طفولته وصوت أمه مع أنغام العود ينسابان إلى أذنيه وهو يداعب ستارة وردية معلقة في سريره الصغير.
لاحظت الأم أن طفلها الرضيع، يحرك أصابعه نحو الستارة بحركات رتيبة مع نغمات عودها الذي تعزف عليه، فقالت لوالده: إبننا سيكون موسيقيا كبيرا.
أنجبت أمه بعد ذلك بنتا وإبنا هو شقيقه حسين، الذي تأثر بأمه وأخيه الأكبر وكان يتابعه وهو يعزف على العود بمهارة، فقد إستطاع فتحي جنيد أن يتعلم العزف على العود في وقت قصير جدا.
إلتحق فتحي جنيد بمدرسة العباسية في حي محرم بك، وكانت تشغل مساحة كبيرة جدا من الأرض؛ فسمي الحي كله – بعد ذلك – بإسمها، وتحولت المساحة التي تشغلها المدرسة – الآن – إلى كلية العلوم والكثير من المدارس الإبتدائية والإعدادية والثانوية.
كانت المدرسة تعني بالأنشطة الرياضية والفنية، وتقدم الكثير من العروض المسرحية، خاصة النصوص المقررة علي الطلبة وتعلم تلاميذها العزف على الآلات الموسيقية الغربية، فتعلم فتحي جنيد العزف على الكمان بمهارة، وتعلم العزف على البيانو أيضا.
إنشغل والد فتحي بتجارته الكبيرة، بينما قامت الأم بدور المربي، وعندما أحست بأن ولدها يعطي أهمية كبيرة للموسيقى؛ ألحقته بمدرسة موسيقية يشرف عليها أستاذ إيطالي معروف وقتذاك. وأحس معلم الموسيقى بأن تلميذه فتحي ليس مجرد تلميذ مما يقابلهم كثيرا، فهو يستوعب الدروس في أقصر وقت، فقربه إليه، وعلمه دراسة النوتة الموسيقية وكيفية كتابتها. ودرس علي يديه الإيقاعات القديمة، وكيفية توزيع موسيقاه على الآلات، وهذا أفاده كثيرا، فأصبح من أهم ملحني الإسكندرية في التوزيع الموسيقى، وتوقع له الأستاذ الإيطالي أن يتبوأ مكانا عاليا في الموسيقى.
إلتحق فتحي جنيد بعد ذلك بمدرسة الآداب، وحصل على الليسانس فيها، وعمل في بلدية الإسكندرية.ى ودرس لشقيقه الأصغر – حسين- ما تعلمه من أستاذه الإيطالي، وزاد على ذلك الخبرات التي أضافها إلى رصيده الموسيقي.
تعرف فتحي وشقيقه حسين على الكثير من المهتمين بالموسيقى في الإسكندرية، منهم الملحن محمد سلطان وكونوا فرقة موسيقية تابعة لنادي موظفي الحكومة، وكانت تعرض حفلاتها على مسرح المواساة بمحطة الرمل. وحققت نجاحا كبيرا.
وألح حسين على أخيه فتحي أن ينتقلا إلى القاهرة – مركز الضوء – لكن فتحي تمسك بالبقاء في الإسكندرية، خاصة بعد أن تزوج. فإضطر حسين أن يسافر وحده إلى القاهرة، وحقق نجاحا كبيرا في العزف على الكمان، حتى أصبح العازف الأول فيها. ولحن للكثير من المطربين الكبار: عبد الحليم حافظ وليلى مراد ومحمد عبد المطلب ومحمد قنديل وغيرهم.
أنجب فتحي جنيد إبنه محمد وثلاث بنات. وإضطر أن يعمل معلما للموسيقى في الكثير من المدارس الخاصة بجانب عمله في الحكومة. وهناك قابل نادية جبران، تلميذة سمراء، ذات صوت ميتزو سوبرانو. لفتت نظره بوجهها الرائق وصوتها السليم الجميل، فتعلق بها وتعلقت به. ونصحها بالإلتحاق بالكونسرفتوار. وساعدها في ذلك، وحققت نجاحات كثيرة في الدراسة الموسيقية، وتم إختيارها لبعثة إلى ميلانو في إيطاليا لدراسة الأوبرا، وتكررت لقاءاتها مع فتحي جنيد، وإنتهى الأمر بأن ضحت بالبعثة ودخلت الدين الإسلامي وتزوجا وتحول إسمها إلى نادية أمير
وعند إنشاء إذاعة الإسكندرية عام 1954، إشترك فتحي جنيد مع حافظ عبد الوهاب وجلال حرب وغيرهما في إختيار الملحنين والمؤلفين والمطربين الذين ستعتمد عليهم الإذاعة في عملها. وقدم الكثير من الأصوات الجميلة منها على سبيل المثال: عبد الرزاق إبراهيم وعزت عوض الله وبدرية السيد وسامية عبد المعطى وغيرهم.
ويقول نبيل عاطف مدير الإذاعة السابق عن فتحي جنيد في كتابه عن إذاعة الإسكندرية: كان نسيج وحده، كله موسيقى.
وإنتقل فتحي جنيد بعمله الحكومي إلى مدينة دمنهور فصحبته زوجته الجديدة نادية أمير وذلك في عهد المحافظ وجيه أباظة، فكون فتحي جنيد مع زوجته نادية أمير أول فريق للكورال هناك.
وعرض عليه وجيه أباظة أن يقوم بالجانب الموسيقى لفرقة البحيرة للفنون الشعبية التي حققت شهرة وصلت إلى الدول العربية والغربية بفضل موسيقى فتحي جنيد. وكانت منافسة لفرقة رضا.
وفى عام 1964 تم إختيار فتحي جنيد لكي يدرس ” علم الأصوات ” في كلية آداب الإسكندرية، ودرب الفرق في مسابقة كأس الجامعات، وسافر إلى أسيوط ودرب الفرقة الموسيقية لجامعة أسيوط الوليدة، وإستطاع أن يحرز لها كأس الجامعات لعدة سنوات متتالية.
وعاد بعد ذلك إلى الإسكندرية ليلحن لإبراهيم عبد الشفيع ياللي أنت زي القمر تأليف محمد سعيد الشامي وعشق الملاح غية وعروس الشرق ويا طالع الشجرة وصوت العروبة. وبعد تسجيل الأغنية بالإذاعة، إعترض إبراهيم عبد الشفيع وطالب بإعادة التسجيل لإنه يريد أن يحسن في غنائه، لكن فتحي جنيد قال له:
- كده كويس قوي.
فكتب عبد الشفيع شكوى لمدحت عاصم وعبد الحليم نويرة عضوي لجنة الموسيقى في القاهرة، بأنه كمطرب غير راضي على تسجيل أغنيته. فطلبت اللجنة الإستماع إلى التسجيل، فأعجبوا به كثيرا، فأجازوه وقرروا نقله إلى إذاعات القاهرة، مع التنبيه على المطرب بألا يتدخل في عمل الملحن.
ولحن للمطربة إكرام ﻣن ﻧظم ﻣﺣﻣد ﻣﻛﯾوى الليلة ﻛﺗﺑوا ﻛﺗﺎبي وﻣﺑروك ﯾﺎﻋرﯾس وأجمل حب تأليف إبن باكوس مصطفى عبده وغنت من كلمات كامل الإسناوي:
الله يا خبر ، سمعت كلامهم تاني
تهجر بعد الشوق ما رماني
ليه تهجر، زعلان مني تعالى عاتبني
ولا تسمعشي كلامهم تاني.
ولحن من كلمات محمد مكيوي ” يا جريد النخل العالي ” لمحمد قنديل و زﻏروطﮫ ﯾﺎ ﺧوﯾﺎ غناء بدرية السيد. والصورة الغنائية ﻋروس اﻟﺑﺣر ﻏﻧﺎء ﻣﺣﻣد اﻟﺻﻐﯾر وأﺣﻣد اﻟﺣﺑروت وزﯾﻧب ﻋوض ﷲ.
ولحن لعزت عوض الله: ع الكورنيش من كلمات أحمد ملوخية. ولعبد الرزاق إبراهيم إبتسم لي كمان تأليف محمد حسين أحمد.
ولحن الكثير من البرامج الغنائية منها: نصيبك يصيبك من تأليف محمد مكيوي وغناء: أحمد الحبروت ومحمد الصغير وزينب عوض الله.
والطمع من تأليف ممدوح العربي وإخراج حسين أبو المكارم وغناء فايد محمد فايد.
ولقاء في رمضان تأليف حمدي محمد مصطفى وغناء محمد الصغير وصفاء محمد ومحمد درويش والسيد حسني.
وصيف إسكندرية تأليف أحمد ملوخية ومن إخراج حسين أبو المكارم وغناء: عزت عوض الله ورسمية إبراهيم ومحمد الصغير وثلاثي الشاطئ.
والنيل من تأليف علي حسن حمودة. وغناء عزت عوض الله وعبد الرزاق إبراهيم وبدرية السيد التي غنت فيه:
من فوق شواشي الدرة جمرية بتغني
فرحانة يا هلترى ولا بتتمنى
والا دي حنية، في القلب مدوية
إحكي يا جمرية
وكانت هذه الأغية بالذات سبباً في شهرة بدرية السيد، وبعدها أصبحت المطربة الأولى في الإسكندرية، فسمعها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وأثني على صوتها. وتحدث عنها سيد مكاوي وعمار الشريعي وغيرهم.
وكان فتحي جنيد عضوا بلجنة الإستماع الموحدة لتلفزيون وإذاعة الإسكندرية مع جلال حرب ومحمد أبو سمارة وعبد الفتاح بدير وإبراهيم عبد الشفيع.
وتوفى – عليه رحمة الله – في 26 نوفمبر 1992 دون أن يحصل على المكانة العالية التي تستحقها موسيقاه، وذلك لبعده عن القاهرة.
وبعد سنوات عديدة، إحتلفت فرقة الموسيقى العربية بألحانه، وقدمت أغنيته “من فوق شواشي الدرة “، وقدمتها رتيبة الحفني في برنامجها الشهير الموسيقى العربية
وفي يوم الجمعة 11 إبريل عام 2008 أقيم حفل للفرقة القومية لأغاني الأطفال بدار الأوبرا المصرية. وقدموا أغنيته ” جميلة جدا الغيطان ” من تأليف صلاح جاهين. وقاد الفرقة حمدي رءوف، أحد تلاميذه.






