فصل رحيل القدوة

بقلم د. أحمد صفوت
في غياب فكرة القدوة وضمور دور الأب في المجتمع مع كثرة حالات الطلاق والمتاهة التي يعيشها الأبناء حديثي السن من شتات في محيط أسرة مفتتة ، تأملت ما تتعرض له هذه الخلية الأولى في المجتمع وهي الأسرة من إعادة تدوير في أشكال محزنة بدأت تجري مجرى العادة في صور مختلفة بعيدة عن هويتنا الثقافية والإجتماعية “كالسينجل ماذر” وغيرها ،
والشيء بالشيء يذكر ، لقد تذكرت قصة أحد أصدقاء العمر (شريف محمد لطفي) الذي ضرب أرفع مثالٍ في هذا الصدد ، الإيمان بدور القدوة ، والسير على أثر الأب ،

عندما تبحث في محرك البحث جوجل عن إسم شريف لطفي ستجد كماً كبيراً جداً من كلمات الشكر والإمتنان مابين المقالات والتعليقات والمنشورات التي تمدح شخصيته أو بشاشته وإبتسامته الدائمة ، أو “جدعنته” كما يقال بالعامية المصرية ، يلقب من البعض (بالعميد شريف لطفي) ومن البعض الآخر (الدكتور العميد شريف لطفي) ، حيث تخرج الدكتور شريف من كلية الشرطة عام ١٩٩٨ وبدأ مشواره الأمني ، ورغم عشقه لعمله واجتهاده الذي يشهد به جميع من حوله كضابط شرطة إلا انه أصر على الحصول على الدكتوراه في القانون بدرجة الإمتياز من كلية الحقوق جامعة عين شمس ومن ثم أصبح ملقباً بالدكتور شريف لطفي… وعندما سالته عن إصراره في الحصول على الماجستير ثم الدكتوراه والعودة للدراسة والإستذكار وعمل الرسائل بل وبتقدير إمتياز وهذا الأمر طاغي المشقة… إبتسم قائلاً: فعلت ذلك عشقاً لوالدي الذي تحداني على سبيل المزاح بأن احصل على درجة الدكتوراه مثله وكان يعي ما يفعل، حيث يدرك شخصيتي المحبة للتحدي والمثابرة …
كان الدكتور شريف مرتبطاً إرتباطًاً خاصاً ومتاثراً بنجاح والده وفخوراً به جداً ، وهو الدكتور محمد لطفي أستاذ المحاسبة بكلية التجارة جامعة عين شمس ، والذي كان ذو شعبية كبيرة وحب من جميع طلبته ومن تخرج على يديه رحمة الله عليه… وفي غصون أعوام قليلة نجح الدكتور شريف في الحصول على درجة الدكتوراه بامتياز ليدخل السعادة على قلب والده ويكسب التحدي الذي أسعد والده أكثر منه ، ليزداد فخر الدكتور محمد لطفي بنجله وصديقه الدكتور العميد شريف محمد لطفي والذي يشغل الآن منصب مدير مكتب رئيس الادارة العامة لمرور القاهرة.
أما الكارثة الأدهى والأنكل عزيزي القارئ لم تعد فقط في إنهيارات القدوة ، بل أصبح الخطر الأكثر غرابة هو ظاهرة إقتداء الكبار بالصغار ، إتخاذ الصغير كقدوة ، في مشهد مأسوي من قلب المعادلة وتشويه الآية ، وشعور الكبير بنوع من الضآلة أمام حديثي السن . ليغلق الستار على فصل رحيل القدوة .






