
الدكتور عادل القليعي يكتب
استهل مقالتي بهذه العبارة:
(أيها العنصريون… النازيون… تستقبلونه استقبال الفاتحين.)
والله لا أجد كلمات لأعبر بها عن امتعاضي وغضبي ما أرى وأشاهد ، أيام نحسات نعيشها المقتول أصبح قاتلا ، الظالم تفتح له القاعات الرسمية والمجالس العالمية ويستقبل بالورود والترحيب الحار.
لكن أجلس قليلا لألتقط أنفاسي واعطي لعقلي فرصة للتفكر فى الأمر برمته ، فيهديني إلى إنه مع غياب العدالة واجتماع المصالح فسحقا لحقوق الإنسان ، سحقا للحريات، سحقا للسلام ، سحقا لأي صوت يعلو فوق صوت هؤلاء.
فلك الله يا أمة محمد صل الله عليه وسلم ، لك الله يا غزة ، لك الله يا فلسطين.
ديننا الحنيف رفض كل أشكال العنصرية ، يقول تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله اتقاكم)
فلم يقل الإله جل وعلا إن أكرمكم عنده أغناكم ، ولا أكثركم جاها وسلطانا ولا أجملكم شكلا ، ولا أكثركم قوة وصرعة ولا أشدكم تنكيلا وبطشا بالضغفاء ، ولكن الكريم الذي كرمه الله في هذه الآية هو الخلوق ، البر ، المتواضع ، الشجاع ، الذين يرفض العنصرية والتقسيم الطبقي للأجناس ، الذي لا يفتخر ولا يتباهى بحسبه ونسبه ، الذي يتمثل حديث النبي صلى الله عليه وسلم (أنا جد كل تقي)، الذي يدرك تمام الإدراك قوله تعالى (ونفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتسألون)
الذي يعي جيدا حرمة الدماء (أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)
الذي يدرك تمام الإدراك أن الإعتداء على الآمنين المطمئنين في أوطانهم وييتم أطفالهم ويرمل نسائهم ويهتك أعراضهم ويحرق أراضيهم ، يعي أن ذلك حرام.
وهذا ما شرعه الإله في قوانين تنتظم من خلالها الإنسانية ، أما ما يحدث ونراه ونشاهده فهذه شريعة الذئاب شريعة الغاب ، شريعة الهمجية ، شريعة من لا شريعة له ، شريعة الشيطان الذي يرقص على أشلاء وجثث الأطفال ، الذي يضع يده على زناد البندقية تطربه صوت رصاصات غادرة تخترق رحم الإنسانية جمعاء.
الإله الأعظم ، إله موسى وعيسى ومحمد ، إلهنا جميعا وإله كل الأنبياء وهبنا الحياة لنحياها جميعا ونملأها عدلا وحرية ومساواة ، لا أن يحيا طرف على حساب طرف ، لا أن يغتصب طرف أرض طرف ، لا أن يحتل القوي أو بمعنى أدق الضعيف المتمسكن الذي لم يكن له مأوى ، إلى أن تمكن مدعوما بقوى الشر التي تستخدمه لبسط هيمنتها على شرقنا الأوسط ، على ولاياتنا وممالكنا وجمهوريتنا العربية والإسلامية مستخدمين هذا الذراع المبتور.
وإذا لم يكن ذلك كذلك فبم تفسرون ، تحريك جيوش الامبراطوريات العظمي ، بحاملات طائرات تارة ، بجنود مدججين بأحدث الأسلحة تارة ثانية وبوارج وفرقاطات تارة ثالثة ، ضد من، ضد شعب أعزل رفض الدنية في دينه وماله وعرضه وولده ، أبى أن يخنع ويعيش ذليلا ، فضل الموت دفاعا عن حق مشروع.
نعم هذا الشيطان القابع هناك على تل خراب العالم ، من يشذ عنه ويريد أن يستقل ويريد أن يكون كيانا بذاته ، يلوح له إغراء بالمال أو بهبة أيا كان نوعها ، من يخنع ويطيع حبيب ، بئس الحبيب ، سيلتف حول رقبتكم الشيطان وستدور دائرته عليكم.
أما من يرفض ذلهم وهوانهم وعنصريتهم ينكل به ويناصب العداء ، وتحدث القطيعة بكل أنواعها وفي أبشع صورها وحجتهم ندافع عن نظام الكون ، ومن الذي وكل لكم هذه المهمة ، أنتم لا تحافظون على النظام العالمي وإنما تحافظون على رأسيماليتكم البغيضة وتحافظون على هيمنتكم وللأسف انقادت وسارت خلفكم بعض دويلات الشرق الأوسط فصاروا نعالا لشيطانهم الأعظم أباهم الذي هناك.
أما من يريد أن يتحرر وينفك عن هذه الهيمنة تحاك له وضده المؤامرات ، ليس هذا وحسب بل وتعقد المؤتمرات من مجلس أمن ، لأمم متحدة ، لمنظمات حقوقية على مستوى العالم
وإذا ما شذ أحد عن القطعان يقاطع وتفرض عليه العقوبات بل وقد يصل الأمر إلى استخدام حق الفيتو ، فيوقف التصويت وتتعطل القرارات
حقا أيها العنصريون ، لكم الغلبة اليوم ، لماذا لأنه من لا يمتلك قوته لا يمتلك حريته من لا يصنع سلاحه ليدافع به عن عرضه لا يملك إلا التصفيق وتقبيل الأيادي.
نعم أيها العنصريون بسطتم سيطرتكم وهيمنتكم ونشرتم أسلحتكم في كل العالم وملأتم وطننا العربي بقواعدكم العسكرية التي اسستموها بأموال عربية والحجة للدفاع عن هذه البلدان ومنع الحروب والصراعات.
فيا أيها العربي أفق من سباتك فالعربي الذي هو من بني عرب من أصلاب عرب أصيل لن يمد إليك يده ليغدرك أو يقتلك وإنما هي فتن زرعت بينكم.
فلو كانت حقا وضعت هذه القواعد لحفظ الأمن والسلام فلماذا لم يتدخلوا فورا لحماية حقوق الإنسان في فلسطين المنتهكة ليلا ونهارا.
لماذا يحرقون أغصان الزيتون ويقتلون السلام في بلاد السلام..
لماذا يكيلون بمكيالين تذكر دماء بنو صهيون الكل يقف منتبها منتحبا دعوهم يعيشون ، لماذا تقتلوهم هم مساكين ، الحياة تتسع للجميع.
وعندما يذكر المدافعون عن أراضيهم ، القابضون على دينهم كمن يقبض على جمر ، المرابطون على الثغور يوصفون بأنهم إرهابيون ، إنهم أناس يتطهرون ، اخرجوهم من قريتهم ، امعنوا فيهم القتل والحرق والهدم.
ما هذه العنصرية البغيضة التي نهى عنها الرب في العهد القديم الكل سواسية متوعدا القتلة بالجدب والفقر والقيظ الذي تذبل معه العيون ، متوعدا أهل القتل وسفك الدماء أن يجعل الأرض من تحت أقدامهم نحاس منصهر والسماء من فوقهم شواظ أليس هذا مكتوب عندكم أم حرفتم المكتوب وزيفتم الحق فقلبتموه باطلا.
نعم أيها العنصريون ، الشعوبيون ، غرتكم قوتكم كذبتم الكذبة وصدقتموه ، شعب الله المختار ، من النيل إلى الفرات ، من المحيط إلى الخليج ، ولماذا أنتم شعب الله المختار ، ولماذا تظنون أنكم أنتم المصطفين ، هل أنتم مختارون لأنكم خالفتم الرب فاختاركم قال لكم لا تعدو في السبت فخالفتم ، قال لكم اذبحوا بقرة فجادلتم ، قلتم لموسى أرنا الله فاخذتكم الصاعقة ، اختاركم الرب لأنكم قتلتم الأنبياء ونقضتم العهود.
فقال نعم اختارهم لأنهم خالفوني (خالف تعرف ، خالف تختار)!!!
لو كان ذلك كذلك لكان يحق لكل شعب أن يقول نحن شعب الله المختار ، لكان قالها الصينيون أصحاب الحضارة العريقة بجد ، لكان قالها المصريون أصحاب التاريخ والحضارة الرائدة ، لكان قالها كذا وكذا الذين كانوا يمتلكون مقومات حضارية تؤهلهم لأن يكونوا مختارين.
إنها عنصريتكم البغضية التي نهت عنها الإنسانية ، فالإنسان أخ الإنسان لا ذئب يتحين عليه الفرض لينقض عليه ويستولي على حياته ويسلبه حريته.
لكن أبشروا لن يطول حلمكم فستستيقظون على أصوات الحق تزلزلكم وترعبكم وتردعكم وقتها لن تنفعكم جيوشكم ولا دباباتكم ولا صواريخكم ولا من استقويتم بهم فوقتئذ سيبيعونكم بثمن بخس.
ويقولون متى هو ، قل عسى أن يكون قريبا.
متى يا رب ، سلوا رب الزمان والمكان أن يرد أمتنا العربية والإسلامية إلى رشدها ، فنحن أمة نمرض لبعض الوقت لكننا لا نموت.
لماذا لأننا قال عنا المعصوم ، الخير في وفى أمتي إلى يوم القيامة.
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.






