لا يوجد سفير لهم هنا … والسردية الدينية لإسرائيل … قراءة ثقافية

د. حســام عطـــا
د. نبيل عبد الفتاح الكاتب المصري النبيل له في حياته اليومية قدرا من الخصوصية والإختلاف جعلنى أحب شخصه الذي يتصرف كالشعراء والمبدعين، ولا يمارس تحفظ الكتاب السياسين، مكنته دراسته العميقة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية مع إجادته الفرنسية أن يكون أيضا صاحب ملاحظة منفردة لعدد من الشوارد في الحياة العامة، وإذ هو يتابع الشأن السياسي برؤية ثقافية فقد شارك على صفحته الشخصية بتطبيق فيسبوك على وسائل التواصل الإجتماعي في الثالث عشر من مايو 2025 منشوراً للمخرج الإسرائيلي إيال سيفان المتعاطف مع القضية الفلسطينية، وفيه ملاحظة عابرة لكنها هامة عن عدد من مثقفي النخبة الفرنسية، إذ إستنكر إيال سيفان Eyal Sivan بيانا صدر عن مجموعة أطلق عليها كريمة المثقفين الفرنسيين.
ورغم أن البيان لا يدين الجرائم الإنسانية ولا الإبادة الجماعية في غزة، لكنه يشير إلى نتنياهو وحكومته اليمينية إشارة ثقافية سياسية، إذ يرى أنها تهدد الديموقراطية في دولة الإحتلال وتحمل تعصبا يمينيا دينيا يضر بما أسماه البيان وما أسماه هو “بروح إسرائيل” التي يجب أن تقيم الدولة الفلسطينية حرصا على جوهر وجودها.
وقد أثار المنشور إهتمامي فبحثت عن الصحيفة الفرنسية التي نشرته وهي صحيفة لاتريبون دي ريمانس وفيها تم نشر ذلك البيان، والذي يخالف السياسة الرسمية الفرنسية التي ترفض الإبادة الجماعية والجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية في غزة، فوجدت أنها صحيفة تهتم بالأمور المالية، وتلك النخبة التي تم وصفها بأنها من صفوة المثقفين الفرنسيين إختارت أن تصدر بيانها من إحدى الصحف المتصلة بدوائر المال، وهي دوائر ذات صلة بالإعلام الغربي في معظمه.
إذ وقع على بيان بالصحيفة ستة وأربعين مثقفا فرنسيا، لم يقم أحدهم بالإدانة.
وربما يأتي ذلك البيان طبيعياً لأن هؤلاء الموقعين عليه من المثقفين المعروفين بدعمهم لإسرائيل، فليس عالم الثقافة والإبداع الغربي جميعه داعما لفلسطين كما قد توحي كثرة التظاهرات الفنية وإحتجاجات الجامعات وحفلات توزيع الجوائز الفنية الكبرى، بل يأتي من قائمة الموقعين الجزائري الفرنسي كمال داودد، إن البيان أعرب عن قلقه على روح إسرائيل التي تتهددها دوامة الحرب الجهنمية التي بدأت في السابع من أكتوبر، كما يتهددها نتياهو ووزراءه اليمينيون المتطرفون الذين يعتدون على الديموقراطية الإسرائيلية دولة القانون، كما وصفها البيان، كما أنهم يطالبون فيها أوروبا وبريطانيا وأميركا بالتدخل لإنقاذ “روح إسرائيل”، حسب تعبيرهم، وذلك من خلال العمل من أجل السلام والتعاون بين إسرائيل وفلسطيــــــن.
ولعل هذا النوع من المثقفين الأوربيين والغربيين يجد لدى دولة الإحتلال أثــــــــراً.
لأنه حقا يدرك أن مصلحتها ليست الإبادة الجماعية والإنقلاب التام على كل إتفاقيات ومعاهدات السلام، والتي تعهدت فيها دولة الإحتلال بإقامة دولة فلسطينية وإحلال السلام مع الفلسطينين.
إن حكومة إسرائيل الحالية هي التي تقوم بتأجيج الطابع الديني للصراع، وهي التي تخرجه من قواعد السياسة الدولية ومعاهداتها وإتفاقاتها الملزمة، وتحاول أن تعلن الصراع ممتدا من جديد، وهو الصراع القائم على قوة النار والقتل والعدوان الغاشم المستمر، وهي القراءة العميقة لبيان المثقفين الفرنسيين الآخير، رغم صمته الغريب تجاه إدانة الإبادة الجماعية وقتل الأطفال.
مما يدعو إلى تأمل جاد لمستقبل الصراع العربي الإسرائيلي، والذي تبقى فيه مصر قادرة ومتوازنة وقوية، لا تستخدم لغة الخطابة السياسية، وتسعى عبر مواقفها الواضحة ومنها إعلان عدم رغبة مصر في الحديث مع الولايات المتحدة الأمريكية عن أمن الملاحة في البحر الأحمر إلا بعد إنتهاء العمليات العسكرية في فلسطين وسوريا ولبنان واليمن، وهو الموقف السياسي بالغ الخشونة والإحترام للرئيس عبد الفتاح السيسي، أنها الخشونة الصامتة بلا ضجيج، وهي عميقة وذات تأثير عملي على أرض الواقع.
وهي دلالة واضحة على الموقف المصري الصلب الذي يصدر عن مصر القــــــادرة.
قلب الأمة العربية القادر على تحديد إتجاهات المسار القادم بالقدرة العسكرية المستعدة للدفاع عن حدود الوطن وسلامة أراضيه، وموقفها السياسي المتكامل وإدارتها لعلاقاتها الدولية، وبحرصها الدائم على إكتمال مسارات السلام العادل وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة.
وفي إطار هذا الموقف الواضح دون ضجيج إعلامي أو صياغة عالية الصوت، وإذ تدرك القاهرة اللحظة الإستثنائية التي تعيشها مصر، والتغيرات المفصلية في العالم العربي ومحيطه الإقليمي فهي تعبر عن نفسها بالأفعال، وفي هذا الإطار صرح الإعلام العبري في أكثر من مصدر على مدار الأسبوع الماضي عن حدوث واقع دبلوماسي جديد، وهو الموقف الذي لم تعلنه الصحافة ودوائر الإعلام المصرية، في إطار مسلك دبلوماسي قوى وبالغ الأناقة معا، فليس في مصر الآن سفير لإسرائيل، ولم ترسل مصر سفيراً لتل أبيب.
إنه الأداء السياسي المعبر عن عمق السياسة المصرية دون اللجوء للصياغات الحادة، أو السعي فى إتجاه حصد الرضا الشعبوي، إنه عمق الثقة والحضور التاريخي لدور مصر القيادي والمحوري في المنطقة العربية والمحيط الإقليمي.
وهذا الأداء المصري يعبر عن صياغة ثقافية تدرك البعد الديني المتطرف للحكومة الإسرائيلية، والتي تدفع في إتجاه التوتر العربي والإقليمي المستمر، إذا أنه لا إستقرار حقا في هذا الجزء الهام من عالمنا المعاصر دون حل عادل للقضية الفلسطينية.
وهذا هو البعد الثقافي الإنساني الذي يعرف حقا مستقبل الصراع والطريق الوحيد لحله، وهو ما أعلنته الدولة المصرية واضحا كأساس مبدئي لسياستها العامة، كما جاء على لسان وزير الخارجية المصرية:
“لا إستقرار في المنطقة دون حل عادل للقضية الفلسطينية”.
إنها رسالة مصر للعالم ، إنها أفعال مصر الدبلوماسية التي تؤكد صحة أقوالهــــــا.
أداء جديد فاعل دون ضجيج للدبلوماسي المصري رفيع المستوى د. بدر عبدالعاطي.
فهل يصبح الصمت الدبلوماسي سلاحاً مصرياً يجب التأكيد عليه على الصعيد العربي والإسلامي، كطريق ممكن للضغط في إتجاه الحق العادل للقضية الفلسطينيـــة؟
وهل أصبح أمر تجميد عملية السلام العربية الإسرائيلية حقاً ضرورة يجب أن يلتزم بها الإجماع العربي، كي تعود دولة الكيان الصهيوني لرشدها السياسي الواقعي بعيداً عن الإشتعال الديني المتطرف وأوهام إسرائيل الكبرى؟






