Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
أحدث الأخبارسياسةمقالات

الاستبداد أخطر آفة لتدمير الشعوب

بقلم شمس الدين التبريزي

* اصلاح الحياة منوط بإصلاح الإنسان، ذلك المفتاح العجيب الذي يفتح خزائن العلوم والأسرار، ويستلهم مكنون الفِكَرِ والأخبار، .. إنه ذلك الكائن العجيب الذي استودعه خالقه كل ما تفرق في جميع مخلوقاته، ليس في قوة جسمه، ولا رفاهة منظره، ولا بديع صنعه وإبداعه، ولكن بقدرة عقله الجبار، ونفسه المتمردة الثائرة، وروحه الوثابة الطلقى؛ .. إنه على الدوام حائر وثائر، لا يني باحثا عن شيء غامض لا يعرفه، لكنه لا يَكِّلُ من البحث عنه، ولا يَمَلُ من تحسسه بكل طرفة عين وخفقة صدر ونبضة قلب، وبكل ما استودعه خالقه من قدرات عقلية وروحية؛ لأنه شوق إلى شيء يحسه ولا يراه، ويشعر به ولا يلمسه، يتألق ببارقة أمل تسطع في كيانه، وتبرق في وجدانه؛ حتى لتراه وهو يبحث وينقب ويمحص ويترقب، كأنه يرى ما تصبو إليه نفسه، ويلمس ما تروم روحه القرب منه، ومشوار إعداده يبدأ من ساعة خروجه من رحم أمه وصرخته الأولى، ويستلزم عملا جادا وجهدا معنتا، ويتطلب خطة عبقرية تفي بجميع حاجاته، وتربي فيه كل ملكاته، ولو أن القائمين على أمره أحسنوا تربيته وتقويمه، وأتقنوا بناءه وتشييده، لصار آية الله الخالدة بين مخلوقاته، ومعجزته الباقية في ملكوته، لٰكِنَ سنة الله في خلقه، وقانون التدافع في ملكه، اقتضى أن يكون التخالف سبيل التآلف حينا، وسبيل التناحر حينا آخر، لكنه في الحالين أكسير الحياة، وقوام سيرها، ووقود انطلاقها، فهو "أي الإنسان" لا يفسد في هذا المجموع البشري بتناقض أجزائه، ولا بتخالف أعضائه، ولا بتخالف منازعه، لكنه يفسد عندما تتغشاه علل تصيب عقله أو قلبه أو روحه، متمثلة في إفساد ملكاته بتلقينه في صغره بحقائق مغلوطة، وأكاذيب مموهة، وأباطيل مزوقة، كلها ثمار سامة تنبت على شجرة "الاستبداد" !!

* يعمد الدجالون إلى تعرية هذا الكائن المسكين من ذاته، أو تجريفه وتحويله إلى مسخ آدمي ليس فيه من حقيقته إلا ما في الباطل من الحق، أو ما في المنكر من المعروف، ثم يدأبون في تخريب ملكاته، وإفساد طبعه، حتى يتحول من إنسان إلى شيطان، ومن آدمي له فطرة صحيحة ونفس طيبة إلى خرابة شوهاء تطل منها عينان كعيون البشر، وينطق فيها لسانٌ لا يعرف إلا الكذب، ولا ينطق إلا بالبهتان، ولا يشهد إلا الزور، ويكون بذلك قد هيئ ليكون عضوا في القطيع، أو جزءا من آلة حديدية خرساء، يحركها زر، ويتحكم فيها مستبد، ويملك قيادها ظالم !!

* ولإحكام الخطة وإتمام أدواتها يلزم صناعة طغمة من دجالين مخلصين لأسيادهم، وأوفياء لأولياء نعمتهم، وهؤلاء الدجالون هم سدنة الشيطان وأولياؤه، ومؤيدوا الظالم وأعوانه، كأنما حملوا على عاتقهم إفسادَ العالمِ بتخريبِ الإنسانِ، وكأنهم أبرموا على ذلك عهدا معه، فهم لا يستطيعون نقضه، بل هم مصرون على الوفاء به، ليحققوا مراده، وليدنسوا عرض الحياة، ويحولوا رياضها الزاهرة إلى خرابة كئيبة وبلقع صفراء !!

* "الفقر والجهل والغباء" من أشد أعوان المستبد، وهم أذرعته الطويلة التي ينفذ بها خططه الماكرة، وأدواته المنحطة يحقق بها أغراضه الخبيثة، فهو دائب في "طمس الهوية، وإفساد الذوق، وتخريب العقول" لدى الجماهير ليضمن ديمومة وجوده، .. إذ هوية الإنسان جذوره التي تمسك شجرة تاريخه وتغذي فروع حاضره، وزاده الذي يفي بحاجات مستقبله .. والعقل الذكي كافر بكل ما يعتقل تفكيره، .. والذوق السليم يفضل الموت بكرامة على حياة الذل والاسعباد، .. والمستبد الظلوم حربٌ على كل صاحب عقل حر، وغلٌ لكل صاحب نفس أبية، وعدوانٌ على كل صاحب قلب سليم !!

* وتهيئة المناخ لتفريخ أغبياء جهلة، وفقراء مغيبين يستقيم بهم أمر العباد والبلاد على شرطهم أمر يحتاح لخطة عبقرية ماهرة، ينسج بردتها مردة أذكياء، تربوا في حجر الشيطان، وعاهدوه على الوفاء لبيعته، والإخلاص لدينه، فهم ينسجون أباطيل من هواهم، ويصبغونها بصبغة الدين، ويزينونها بوشي من عبثهم، ثم يغرون به الناشئة، ويشجعونهم على الولاء له، والذود عنه، وهذا العبث الممجوج، يروج له مرتزقة لئام، لهم أيدٍ خبيثةٌ ملطخةٌ بدم الفضائل التي ذبحوها، والقيم التي اغتالوها، وهم دائبون في عملهم الشيطاني، لا تقر عيونهم، ولا ترتاح أبدانهم، حتى يغرسوا في نفوس الأغرار بذور السم في العقول، والمرض في النقول، والداء في النفوس، ويتعهدونه بالري من مستنقعات نفوسهم، وبرك دنسهم، .. وأعوان الشيطان ينثرون دنانيرهم على الغلمان والشبان ليظل حبل الإغراء بالمال ممدودا، فينشأ جيل من السخفاء والمسخاء الذين تم تخريب عقولهم، وتدمير ملكاتهم، فيظلون عاملين لخدمة ذلك الدين الكاذب الذي امتلأوا به، وعاشوا لأجله، .. والمشكلة الكبيرة ليس في فساد عقولهم وقلوبهم، وخراب نفوسهم وضمائرهم، ولكن المشكلة المعنتة في أنهم يعتقدون أنهم حفظة دين الله والقائمون عليه، وهم على استعداد للتضحية بكل ما يستطيعون في سبيل التبشير به  والذود عنه، ولَنَقْلُ جبلٍ من مكانه إلى مكان آخر لأهونُ من محاولة تصحيح أفهامهم، وإقناعهم أنهم عالة على الدين، وخدم للشيطان، ونقمة على الحياة !!

* ولا يزال المجتمع المسجون في زنزانة قهره، والمقيد بأصفاد غلوله - مادامت يد الشيطان عاملة فيه بمهارة - هو ذلك المجتمع القائم فوق شفا جرف هار، يوشك أن تجترفه سيول كاسحة من تخلفه وفقره، تلقي به في مهاوي الردى غير مأسوف عليه، بفعل العتاة المجرمين، والدهاة الفاجرين !!

* أما سبيل إفساد المجتمع وإهدار كرامته وتبديد قواه، فتبدأ بنشر الأكاذيب في المناهج العلمية، وإقصاء كل ما من شأنه أن يرقى بالعقل أو بالفكر أو بالسلوك، ثم الاجهاز على كل مقومات الفهم والإدراك بتنصيب نخب مختارة من الأعوان المأجورين، والزبانية المنافقين، ثم نشر الرذيلة في برامج معدة ويتم بثها باستمرار كجرع سامة تستأصل الأخلاق والمبادئ والقيم من المجتمع، ثم الزج بالممتازين من رجالات المجتمع في أتون المحن والإحن، لتنتهك قدراتهم فتعجز عن الفهم والإدراك، فيصبحوا أداة طيعة لإفساد العقول، وتخريب النفوس، وتدمير الحياة، بدل أن يكونوا معاول هدم للكيان الباغي، وأدوات تحطيم للزور والفساد !!

* وكهنة فرعون، هم الأس الأهم في توطيد أركان الحاكم المستبد، لأنهم بعقولهم الكليلة، وقلوبهم العليلة، ونفوسهم الكدرة، وضمائرهم الميته، يعتبرون بمثابة الجسر الذي تعبر منه كتيبة الشيطان إلى مآربها الخسيسة وأهدافها القذرة !!

* أما الكهنة في حكومات المستبدين فأداة الغش والتزوير، ووسيلة قلب الحقائق، وتغييب الوعي، وتخريب العقول، ومسخ النفوس، وإفساد الذوق، وهم بالمرصاد لكل عقل ناهض، وكل مفكر مستنير، وكل داعية بصير، في الوقت الذي يخلقون فيه رموزا لإفكهم، يمثلون السخافة والتفاهة، ويشغلون بها أهم الوظائف وأعلى الناصب، ليكونوا تحفيزا لهمم الشباب والناشئة تجاه كل أمر محقور، وكل رذيلة مندية !!

* والإنسان في تقييمه هو ابن بيئته، ومجتمعه، ومناهجه التعليمية، وبرامجه الثقافية التي تبثها أجهزة الإعلام، .. وما يفسده الإعلام المأجور في يوم واحد، لا يقدر على الإتيان بمثله جيش محتل بأدوات قمعه وأساليب عدوانه، لأن الإعلام المأجور يحول بين العقل ومنطقه، ويضع السدود والحدود بين الإنسان وكرامته، ويخلق جوا من التعنت والتعسف يخيف به الناس ويصرف هممهم إلى كل مفسدة وإلى كل زلل !!

* وأهم عمل يضلع فيه المستبد الظالم يتمثل في فرض الوصاية على الشعب بأجهزته القمعية المتسلطة، وعدم السماح له بمجرد التفكير، لأن التفكير الحر بداية كل استنارة عقلية، وسبيل كل حضارة ذكية، .. واعداد "مرتزقة الدين" أول ما يهم الحاكم المستبد بعمله، ثم  تنصيبهم كأصنام يجب عبادتها، ثم التسلط بها على الشعب بعد تقديسها، والاقتناع بدينها، ليسهل عليها العبث بالشريعة وتطويع الفقه ثم إنزاله على أرض الواقع مرتديا مع كل حادث ثوبا جديدا ليجعل من الحلال حراما، ومن الحرام حلالا، بعد تزوير الحقائق وتغييب الوعي وإفساد العقول، .. ثم يأتي دور الفقر بنابه الأزرق، الذي يحمل الجماهير على التحمل والتجمل في سبيل كسب الدينار الذي يقيتون به أنفسهم وأهليهم، فالفقر أنجع وسيلة لشغل الناس، ومحق همتهم في تحصيل لقمة العيش، وحيثما يكون الاستبداد يكون انهيار الاقتصاد، وتفشي الجهل، وشيوع الفساد والتخلف والمرض !!

* الاستبداد شجرة خبيثة يغرس بذرتها شيطان رجيم بيد "حاكم مستبد"  ليقتلع بها الفضائل، ويجتث بها القيم، ويستأصل بها الأخلاق، وينشر بها الرذائل، .. وهو أنسب الأجواء للعبث بحياة الناس ومقدراتهم، والاستبداد عدو العقل، وظهير الجهل، ووحي الشيطان، ودين الطغاة، وقبلة المفسدين، وشريعة الظالمين !! 

* وأيما شعب تسلط عليه "مستبد ظالم" وأحكم عليه خناقه، وجعله مطية لأهدافه، وغنيمة لجيبه، ووسيلة للهوه، ودام فيه حكمه زمنا طويلا، إلا تحول بعده إلى قطيع يسهل قياده، وإلى دابة يسهل توجيهها، وكل قوى العالم تعجز عن تحرير إرادته من سجن العبودية، واستساغته المهانة، واستعذابه الذل، ولو كُرِّسُ له ألفُ بطل، وألفُ مجاهد، وألفُ أبيٍّ لينفخوا في روحه ريح العز والإباء لفنوا عن آخرهم دون أن يحس بحاجته إلى ذرة من عز أو ذرة من شرف أو ذرة من كرامة !!
اظهر المزيد

allewaaelaraby

جريدة سياسية اجتماعية شاملة مستقلة تهتم بالشأن العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى