Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات
أخر الأخبار

فوق العقل وأبعد من التصور

بقلم شمس الدين التبريزي

هل لك أنت تقول كلاما فوق طوق الكثير من البشر، أو تنطق بحروف تتخطى فكرهم فلا يقدرون على تصوره أو قبوله ؟!!
أجل ما أيسر ذلك أيها الغر اليافع؛ فلقد درجت وربي منذ عرفت نفسي ووقفت على معنى الحقيقة التي أرانيها ربي على ولوج عوالم فوق تصورات الناس، لأني ما عرفت أني إنسان، إلا وفقهت أن لي عقلا ينبغي أن يعيش حرا، وينبغي أن يحيا طليقا، بل وينبغي أن يظل في ارتقاء وعلو حتى يقف على الذروة التي ليس بعد حدها حد إلا فراق هذا العالم ودخول عالم آخر، .. بل وينبغي أن يتمدد ويتسع إلى حدود خلف هذه الحدود، وآماد خلف تلك السدود !!

من ذلك يا غريمي المتربص أني أرى بنور من ربي أنك خلقت لرسالة ليس في مستطاعك أن تؤدي غيرها، مهما حاولت، ولو استعنت بكل القوى التي تزحم العالم وتقض مضجع الوجود !!

أنت عالَمٌ وحدك، قُدِّرَ فيك كل ما أنت مطَّلِعٌ عليه، وما أنت مؤهلٌ لأدائه، وما ليس في الخيال أنك ضالع في أداء غيره !!

ملكاتك تشبه تقاسيم وجهك، هي هبة خالصة لك ممن منحك الحياة، فإن كان في مقدورك أن تغير قسمات وجهك، وتبدل بصمات صوتك وأناملك ورائحتك، فأنت قادر على تبديل طبعك، وتغيير طبيعتك، .. أنت قادر على التمويه على من يراك، وإبداء ما يغاير طبعك، ويناقض فعلك، لكن هيهات هيهات أن تقدر على مس الأصل الذي ينبجس منه قانون أخلاقك، وينطلق منه تيار سلوكك !!

حياتك تشبه حياة شجرة قُدِّرَ لها وقت غرسها، ونبتها، ونموها، حتى تعلو فروعها لتعانق السحاب، ثم تخبو، وتذبل، لتبرح الحياة ولا يبقى منها إلا هشيم تذروه الرياح، كذلك أنت أيها المسكين، خُلِقْتَ دون أن تستشار في أُمِّكَ أو أبيك، ودون أن تختار اسمك أو رسمك، وقبل أن تُسْتَفْتَىٰ في لونك، أو لغتك، أو دينك الذي تدين به !!

نت مشروع قدره خالقه وأحسن تقديره، ودعمك بكل ما يلزم لتكون أنت أنت الذي سواك من خلقك وقدر وجودك واختار رسالتك التي ستؤديها ؟!!

فهل كان في مستطاع النبي العظيم “محمد” “صلى الله عليه وسلم” أن يتقاعس عن أداء رسالته التي خلق لها، وأعين عليها ؟!! .. وهل كان في مقدور “أبليس” أن ينجو من قدر الله حين لعنه وقَدَّرَ عليه أن يكون مذؤما مدحورا إلى يوم القيامة ؟!! .. وهل كان في طاقة أبي لهب أن ينكث على طبعه، ويميل عن قدره، فيؤمن بالقرآن، ويوقن بالإسلام، ويرق للحق، ويثور على الباطل، فيكون في ذلك تكذيب لله ورسوله، وللقرآن ونبوءته ؟!!

الأمر حقيقة أعقد من العقل، وأعمق من تفكيره، وأجل من الفهم، وأعلى من تدبيره، لأن الذي خلق الخلق أعانهم بما يصلح شئونهم، ويقيم أمرهم، .. فمن خلق للجنة أعين على نفسه، وهيئ لأسبابها، واستغلق عليه أن يكون وغدا أو جبانا أو خسيسا، ومن خُلِقَ للنار فهو عود من حطبها، وجرم في نارها، وليس في مستطاعه أن يتحول عنها، أو يحيا بعيدا عن دخانها وحريقها !!

العقل كليل، وقدرته محدودة لتستكنه الحقيقة المخبوءة خلف الصور المحسوسة، لكن في لطافته ما يمكنه من رؤية أثارة من الحقيقة التي يستحيل أن يقضي العقل بعكسها، فالإله العظيم أجل وأعظم من أن يوفد إلى ملكه خلقا لا يملكون من أمرهم شيئا، ثم يقضي على بعضهم بنعيم سرمدي لا يزول، ومتاع أبدي لا يتحول، بغير فضل منهم، ولا خيار لهم، ثم يقضي على غيرهم بعذاب لا تخمد ناره، ولا يخبو أواره، ويلزمهم بذلك العذاب السرمدي الأبدي، مع قوته الملطقة التي لا يقف أمامها شيء، وضعفهم المطلق الذي ليس له من الأمر شيء ؟!!

إنه أمرٌ جللٌ لا يُتَصَوَّرُ، لأنه يخالف المنقول، إن أُخِذَ على عاهنه، وحُمِلَ على ظاهره، والسؤال الذي سيفرض نفسه بمقتضى العقل الثائر المتمرد، أين رحمة الله، وأين حكمة الله، وأين لطف الله ؟!! .. وهل يجوز بحكم المنطق الرشيد، والعقل السديد أن يعلمنا الله أن نرحم خلقه، وأن نتجاوز عن المعسرين منهم طلبا لحبه ورضاه، ورغبة في منته وجداه، ونحن الضعاف المساكين، والمحدودين المقلين، ثم يسلط علينا هو يوم القيامة جام غضبه، وينزل علينا مر انتقامه، وهو الغني الحميد، الذي لا تنفعه طاعة طائع، ولا يضره عصيان عاص، ولو آمن كل الخلق ما زادوا شعاعة في نور مجده، ولو كفروا جميعا ما أنقصوه ذرة من مطلق سلطانه ؟!!

ما نراه من ظاهر القرآن يتناسب مع عقل الإنسان أمام علم الله، وما ندركه من خيالاتنا محض وهم وتخرص أمام الحقيقة المطلقة التي خفيت وراء إحاطة الله، فالحقيقة أجل من العقل، والعلم أعلى من تصور الناس، وكل ما نحسبه أو نتخيله سيكون يوم القيامة غيره، لأن الحقيقة ستكشف عن ساقيها في الجنة كمنحة من الإله العظيم لخلقه المؤمنين، الذين مَنَّ عليهم بحبه ورضاه، وتجلى عليهم بكرمه وجداه !!

اظهر المزيد

allewaaelaraby

جريدة سياسية اجتماعية شاملة مستقلة تهتم بالشأن العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى