التغيرات الجيوسياسية في ظل التغيرات المناخية و أثرها على الشرق الأوسط(الباب الثاني)
بقلم د. رشا الجزار
يشهد الشرق الأوسط تحولات جذرية تتجاوز الأبعاد السياسية والاقتصادية التقليدية لتصل إلى أبعاد بيئية متمثلة في التغيرات المناخية. هذه التغيرات، التي تتجلى في ارتفاع درجات الحرارة، والجفاف، وارتفاع مستوى سطح البحر، وغيرها، تلقي بظلالها الكثيفة على المنطقة، وتؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على الأمن والاستقرار فيها.
التغيرات المناخية وآثارها على الشرق الأوسط
• نقص المياه: تعتبر المياه شريان الحياة في منطقة تعاني أصلاً من شح المياه. التغيرات المناخية تفاقم هذه الأزمة من خلال تقليل هطول الأمطار وزيادة التبخر. هذا النقص الحاد في المياه يؤدي إلى صراعات على الموارد المائية بين الدول، ويهدد الأمن الغذائي، ويزيد من حدة الهجرة.
• الجفاف وتدهور الأراضي: يؤدي الجفاف المطول إلى تدهور الأراضي الزراعية، وزيادة التصحر، مما يؤثر سلبًا على الإنتاج الزراعي ويهدد سبل عيش المزارعين. هذا بدوره يؤدي إلى الهجرة من المناطق الريفية إلى الحضر، ويزيد من الضغط على الموارد المحدودة في المدن.
• ارتفاع مستوى سطح البحر: تهدد المناطق الساحلية في الشرق الأوسط بارتفاع مستوى سطح البحر، مما يؤدي إلى فقدان الأراضي الزراعية، وتدمير البنية التحتية، وزيادة خطر الفيضانات. هذا يمثل تهديدًا وجوديًا لبعض الدول الجزرية الصغيرة، ويؤدي إلى نزوح جماعي للسكان.
• الأحداث المناخية المتطرفة: تزداد حدة وتواتر الأحداث المناخية المتطرفة مثل العواصف الرملية والفيضانات المفاجئة، مما يتسبب في خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، ويهدد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
الأبعاد الجيوسياسية للنزاعات المناخية
• الصراعات على الموارد: يؤدي النقص في الموارد الطبيعية، وخاصة المياه، إلى زيادة التنافس والصراعات بين الدول والجماعات. قد تتفاقم هذه الصراعات بسبب وجود حدود غير واضحة أو نزاعات تاريخية حول المياه.
• الهجرة والنزوح: يؤدي تدهور الظروف المعيشية بسبب التغيرات المناخية إلى موجات هجرة ونزوح كبيرة، مما يزيد من الضغط على الدول المستقبلة ويهدد الاستقرار الاجتماعي.
• التطرف والعنف: قد يستغل الجماعات المتطرفة الظروف الصعبة الناجمة عن التغيرات المناخية لتجنيد الشباب وتوسيع نفوذها.
• التعاون الإقليمي: قد تدفع التغيرات المناخية الدول إلى التعاون الإقليمي لمواجهة التحديات المشتركة، ولكنها قد تؤدي أيضًا إلى زيادة التنافس على الموارد المحدودة.
آثار التغيرات الجيوسياسية على الأمن الغذائي:
• ارتفاع أسعار المواد الغذائية: تؤدي التغيرات الجيوسياسية إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية، مما يزيد من معاناة الفقراء والطبقات المتوسطة.
• نقص المياه: تتسبب الصراعات والتغيرات المناخية في نقص المياه، مما يؤثر سلبًا على الزراعة والإنتاج الغذائي.
• تدهور الأراضي الزراعية: يؤدي الصراع واستخدام الأسلحة الثقيلة إلى تدهور الأراضي الزراعية وتلوثها، مما يقلل من إنتاجيتها.
• هجرة السكان: تدفع الصراعات والاضطرابات السكان إلى الهجرة، مما يزيد من الضغط على الموارد الغذائية في المناطق المستقبلة.
• الاعتماد على الواردات: يجعل الاعتماد الكبير على الواردات الدول أكثر عرضة للتأثر بالتغيرات في الأسواق العالمية والصراعات الدولية.
أمثلة على آثار التغيرات المناخية على الأمن الغذائي في الشرق الأوسط:
• سوريا: ساهمت الجفاف الشديد الذي ضرب سوريا قبل اندلاع الحرب الأهلية في تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وزادت من حدة التنافس على الموارد، مما ساهم في اندلاع الصراع.
• العراق: يعاني العراق من نقص حاد في المياه، مما يؤثر بشكل كبير على الزراعة وإنتاج الغذاء.
• مصر: تعتمد مصر بشكل كبير على نهر النيل كمصدر رئيسي للمياه، وتخشى من أن يؤثر تغير المناح على تدفق النيل وتؤثر على الأمن الغذائي.
آفاق المستقبل
تعتبر التغيرات المناخية أحد أكبر التحديات التي تواجه الشرق الأوسط في القرن الحادي والعشرين. لمواجهة هذه التحديات، يجب على الدول في المنطقة اتخاذ إجراءات عاجلة وشاملة، تشمل:
• التكيف مع التغيرات المناخية: من خلال تطوير البنية التحتية، وتحسين إدارة الموارد المائية، وتنويع الاقتصاد.
• التخفيف من آثار التغيرات المناخية: من خلال خفض الانبعاثات الغازية الدفيئة، وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة.
• التعاون الإقليمي: من خلال بناء آليات للتعاون في مجال إدارة المياه، وتبادل الخبرات والتكنولوجيا.
• البحث والتطوير: من خلال الاستثمار في البحث العلمي لتطوير حلول مبتكرة لمواجهة التغيرات المناخية.
في الختام نجد أن التغيرات المناخية ستشكل عاملًا حاسمًا في تشكيل مستقبل الشرق الأوسط. يجب على صناع القرار في المنطقة إدراك خطورة هذه التحديات والعمل بشكل عاجل وجاد لمواجهتها. فالتعاون الدولي والإقليمي هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستدامة والتنمية في المنطقة.
