كل شىء بقضاء

يكتبها فاروق جويدة
كان الموسيقار محمد عبدالوهاب يجرى بعض التجديدات فى شقته على نيل الزمالك ونزل فى فندق شيراتون القاهرة.. وكان يومها يلحن مقطوعته الشهيرة «قمر 14».. يومها ذهبت لزيارته فى الفندق ، واستقبلنى وجلسنا نتحدث فى كل شيء ، وفجأة دخلت سيدة وقورة وعانقت محمد عبدالوهاب .. تركت لهما المكان وجلست فى مكان آخر.. كانت السيدة تبدو على وجهها ظلال جمال غارب وتعيش خريف عمرها.. وكانت تنطق: محمد.. محمد.. محمد.. كيفك ؟ واحشنى كتير.. امتد اللقاء ولم أستطع أن أقطع حديثهما وقد طال.. وكان من الصعب أن أعتذر وأمضى .. وخرجت السيدة الجميلة الوقورة. واقترب منى عبد الوهاب ، بادرنى قائلا : هذه السيدة كانت أجمل امرأة فى العراق.. وكان آخر لقاء بيننا منذ أربعين عامًا ولم أرها طوال هذه السنوات.. وجاءت فى زيارة للقاهرة وكان لابد أن أراها.. كان عبد الوهاب متأثرًا وهو يتحدث عن هذه السيدة ويسترجع عمره معها.. تركت هذه الحكاية أكثر من سؤال بينى وبين نفسى وأنا أصافحه مودعًا تذكرت بيتًا من شعر مجنون ليلى:
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما
يظنان كل الظن ألا تلاقيا
وقلت لنفسى :
تغيبين عنى
وكم من قريب يغيب
وإن كان ملأ المكان
فلا البعد يعنى غياب الوجوه
ولا الشوق يعرف قيد الزمان
وبقى لقاء الخريف بين عبدالوهاب وهذه السيدة الوقورة التى التقاها بعد أربعين عامًا يحلق فى خيالى حتى الآن..
صافحت عبدالوهاب ومضيت الى سيارتى وأمامى سؤال حائر كيف عاش الحب أربعين عاما وقاوم البعد والنسيان وأيهما عاش الحب أم الذكرى وعاد صوت عبدالوهاب يهزنى وأعيش معه
من أد ايه كنا هنا
من شهر فات واللا سنة
أيام ما كنا لبعضنا
والدهر غافل عننا
وعدت إلى صوت كوكب الشرق فى «أطلال» ناجى :
ربما تجمعنا أقدارنا
ذات يوم بعدما عز اللقاء
لا تقل شئنا فإن الحظ شاء.






