Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات
أخر الأخبار

مشكلة الحشيش المثارة الآن

الأديب السكندرى مصطفي نصر يكتب

يذكر الكاتب الكبير – خيري شلبي – في روايته “موال البيات والنوم”: إن واحدا من طائفة الكومبارس إستضافه لكي يعمروا رءوسهم بنفسين يصعدان بهما إلى نشوة عالية.
طوال الرواية الجميلة؛ يبحث البطل عن مكان يأويه؛ ويجد فيه طعام العشاء، مرة ينام في دورة مياه يقفلها الحارس؛ ليشغلها لحسابه. فكان خيري شلبي يقفز إليها من دورة المياه المجاورة والمتاحة للجميع، وينام فيها للصباح، وعندما يسمع صوت الحارس، يسرع ويقفز إلى دورة المياه الأخرى ليخرج منها، ومرة ينام في حقيبة كبيرة موضوعة فوق رف قطار واقف في محطة مصر؛ ويغلق السوستة بأصبع قدمه الكبير.
رغم ظروف خيري شلبي الصعبة هذه يبحث عن الكيف، عن الحشيش. ومن تأثير الحشيش نسي إنه كان مرهقا ويبحث – في الأصل – عن مكان يبيت فيه ليلته، ونسي نشفان الريق وخواء البطن، ونسي وجوه الحرس والخفراء العكرة التي تعترض طريقه في كل مكان يذهب إليه للبحث عن عمل أو للسؤال عن صديق.
……..
تلك المواقف في الرواية جعلتني أفكر في أمر مهم، علاقة الشعب المصري بالحشيش، حكى لي الشاعر المرحوم أحمد السمرة، بإنه في حي بحري بالإسكندرية، كان بائع الحشيش يجلس على مقعده وأمامه المائدة المرصوص عليها الحشيش، والزبائن يقفون أمامه صفا طويلا؛ ليحصل كل منهم على نصيبه.
أعرف حكايات كثيرة عن ولع الرجال بالحشيش، فقد كنت صديقا لعمي في آخر أيامه. وجدني قد صرت رجلا فإتخذني صديقا يحكي لي مغامراته مع النساء اللائي يعشقنه لوسامته وغناه؛ ويأخذني معه لمقابلة أصدقائه، فأراهم يتحدثون عن الحشيش وكأنه شيء مقدس.
يحكي عمي عما حدث له عندما وقعت منه قطعة حشيش وهو صاعد سلالم بيته المظلمة، فحمل لمبة الجاز وبحث على السلالم وزوجته تتابعه في قلق متسائلة: إيه إللي وقع منك؟
وهو لا يستطيع أن يخبرها بإنها قطعة حشيش – هكذا الرجال يخفون عن نسائهم إنهم يحشِّشون -، ويجيبه صديقه عمي: طبعا، دي حتة من القلب.
أعرف أكثر من واحد؛ كتمتْ قطعة الحشيش على أنفاسهم ومات بعضهم بسببها، وبعضهم أنقذ في آخر لحظة.
…….
كان أبو عاكف يجلس كل ليلة مع صديقه الذي إستأجر دكانا في بيتنا، يدخنان الحشيش ويتحدثان مع آخرين يأتون أحيانا، يتحدثون بصوت مرتفع، يحكون حكايات مضحكة، ويضحكون ويسعلون، ويسب بعضهم البعض بألفاظ تخدش حياء النساء القابعات في بيوتهن.
الذي يجمع كل هؤلاء هو الحشيش.
أبو عاكف طويل وعريض، يعمل في البلدية، وراتبه كبير، وهو رغم إشتراكه في هذه الجلسات، والإشتراك في الحديث الذي يخدش حياء النساء؛ كان طيبا، يتدخل في حل المشاكل بين الجيران، مشكلته في حياته إهتمامه بالحشيش وعشقه له، جزء كبير من راتبه يذهب للحشيش، والرجل الذي إستأجر الدكان في بيتنا يبيعه.
جلس أبو عاكف في حفل لرجل مقتدر، حرص على أن يحشش كل الرجال الذين قدروه وعبروه وجاءوا لحفله.
الموائد متراصة والجوز – جمع جوزة – متراكمة، ورجاله يسلمون كل مجموعة ملتفة حول المائدة؛ جوزة.
وجلس أبو عاكف ودخَّن الحشيش كثيرا جدا، والرجل صاحب الحفل يطوف على الموائد ليطمئن ويتأكد من أن الكل سعيد، وأن تموين الحشيش كثير ويكفي الجميع.
دخَّن أبو عاكف وتحدث عن أشياء كثيرة، فلابد أن يحلِّي جلسته، وإقتربت يده من الحشيش الموضوع فوق المائدة، فكَّر، لو أخذ قطعة منه ستنفعه، وقد تكفيه ليومين يوفر فيهما المصروف اليومي الذي حدده للحشيش، أبعد يده عن الحشيش وتحدث عن “حسان شرارة” الذي كان يأتي إلى غربال ويغني:
جار الشادوف إللي في داير الناحية
شفت الحليوة أبو جلابية لموني
نظر لي نظرة من عيونه الساحرة
وصلت دارنا وقلت لهم هنوني
وكيف تزوج حسان شرارة من مطلقة آلاتي من الفرقة التي كانت تعزف خلفه، وإنتهى الأمر بحسان شرارة وهو يؤذن في مسجد سيدي جابر.
وعندما إطمئن أبو عاكف من أن الكل يتابع حديثه، أمسك بأكبر قطعة حشيش على المائدة ودسها في جيب الجاكيت، ودخن كثيرا إلى أن دارت رأسه؛ وهذا لا يحدث كثيرا في حياته، مما أكد له بأن صاحب الحفل حرص على أن يشتري لمدعويه أفضل أنواع الخشيش التي لم تخلط بمواد غريبة عن الحشيش.
وإستأذن أبو عاكف للعودة إلى بيته؛ لإنه يصحو كل يوم مبكرا للذهاب إلى عمله، ولما إبتعد عن الحفل وتلاشت أصوات الغناء التي كانت تطارده طوال الوقت؛ دسَّ يده في جيبه فأحس بالسعادة لملمس قطعة الحشيش الملساء، وأخرجها، وتابعها. لم ير شيئا فقد كان الشارع مظلما. رفع القطعة الكبيرة حتى لامست وجهه، مر بها فوق خديه وشمها بأنفه فأحس بالزهو, سيخفيها بين ملابسه حتى لا تراها زوجته التي تتشاجر معه كثيرا لإنه ينفق مبالغ كثيرة من مصروف البيت على هذا الزفت. يريد أن يقول لها: إنه يفعل هذا من أجلها، لكنه يتراجع في آخر وقت.
كاد أبو عاكف أن يخفي الحشيش في ملابسه ثانية، لكن الرغبة كانت أشد، فقطم قطعة منها ولاكها، ما أسعده؛ قطعة بحالها داخل فمه، أخذ يلوك طوال الطريق المظلم الطويل حتى أتى عليها فأحس بثقل قدميه، جسده الثقيل أعاقه عن السير السريع، أخرج قطعة الحشيش المتبقية ودفعها في فمه حتى كاد يختنق، القطعة كانت كبيرة، البيت إقترب ولابد أن ينتهي منها قبل أن تفتح زوجته الباب له.
سار خطوات قليلة، مازالت الحشيشة في فمه؛ فوقف وسط الظلام وأكمل المضغ حتى أصبح فمه خاويا وسار، لكن أشياء أعاقته عن السير ورمته بجوار الرصيف، في الصباح وجدوه ميتا.
…….
وأعرف موظفا كان يعمل في إذاعة الإسكندرية، كان بخيلا، يبيع للموظفين الجبن القريش والبيض والسمن الذي يأتي به من بلدته القريبة من الإسكندرية، وتقلي زوجته الطعمية في بيتها القريب جدا من الإذاعة، فيتصل بها طالبا بخمسة قروش طعمية؛ فترسلها مع إبنها الصغير. ويشتري طعام العشاء قطعا من اللانشون والجبنة البيضاء والتركي والزيتون، فيقول لأبنائه: إختاروا، إما أربع قطع لانشون وخمس حبات زيتون، أو قطعتين جبنة تركي .. الخ.
ويشتري علب الكبريت، وبمطواة صغيرة، يقطع عود الثقاب نصفين بالطول ليشعله مرتين، وحكايته مع البخل تحتاج لكتاب كبير أكبر من “البخلاء” للجاحظ، لكنه رغم ذلك يحرص على شراء راتب الحشيش، وبموسى يقطعه ثلاثين قطعة. كل يوم يدخن قطعة مع السجائر أو الشيشة. يتهافت موظفو الإذاعة لصرف مرتباتهم من الخزينة وقت صرف المرتبات، وهو جالس في مكانه لا يتحرك، يذهب إلى موظف الخزينة بعد صرف المرتبات بيومين، تكون الخزينة خاوية، فيصرف مرتبه أربع جنيهات، كل المبلغ أربع جنيهات، فيضع إيجار البيت في مظروف، ومصروف البيت في مظروف، وتموين الحشيش في مظروف.
…..
وأستاذ جامعي مشهور يمارس الشعر، يحرص على أن يحشِّش في كل مدينة يذهب إليها وقد حكى لي صديق – لا داعي لذكر إسمه – إنه حضر ندوة في قرية، وأرد أن يعود إلى القاهرة بعد إنتهاء الندوة، لكن الأستاذ الجامعي أخبره بأن هناك مكانا للمبيت بدلا من العودة في ذلك الوقت المتأخر، وفوجئ صديقي بالمجموعة تجلس على حصير فوق الأرض وتحشش، وسوف ينامون على الحصير بعد الإنتهاء من الحشيش، لكن صديقي رفض هذا وأصر على العودة.
وهاجم ضابط شرطة هذا الأستاذ الجامعي وهو يحشِّش مع مجموعة في غرزة بالطريق بين القاهرة والإسكندرية، فإقترب الأستاذ الجامعي من الضابط هامسا له: أرجوك ماتبهدلنيش، أنا أستاذ جامعي،.
فتأثر الضابط لمنظره وأشفق عليه فقال له: إمشي دون أن يراك أحد.
وتسلل الأستاذ الجامعي عائدا باحثا عن مواصلة تعيده إلى القاهرة.
وأدهش ما الذي يجعل عمي وأصدقاؤه يهتمون ويقدسون الحشيش هكذا؟!
وما الذي دفع أبو عاكف ليموت من أجل قطعة حشيش، وهذا البخيل الذي يرسل إبنه الصغير من بيته أيام أجازته، ليجعل مساعده في العمل؛ يطلبه من تليفون الإذاعة ليوفر ثمن المكالمة؛ ما الذي يجعله حريصا على شراء قطعة حشيش تكفيه لشهر بأكمله؟!
أعتقد أن سبب هذا هو النساء، فلذلك يخفي الحشَّاشون عن زوجاتهم أنهم يحششون فهم يخجلون من أن يظهروا أمامهن بإنهم يستعينون بأشياء خارجية لتعينهم على التعامل معهن.
وكنت في مؤتمر أدبي، وحكى أديب كبير عن معاناته مع زوجته بسبب الختان، وأكد أديب أقل عمرا على قول الأديب الكبير قائلا عن زوجته: لقد أتعبتني.
ولم يفسر سر هذا التعب، وحيائي منعني من أن أسأله.
كنت أعمل في شركة ورق، تتعامل مع التجار الذين يشترون الورق من السريحة الذين يجمعونه من الشوارع، ويبيعونه لشركتنا، وكنت أمرُّ أمام شونة واحد من هؤلاء؛ شونته قريبة من بيتي، كان يعلم بإنني قد تزوجت حديثا، فيصر على أن يعطيني قطعة حشيش قائلا لي: أنت بقيت صاحب بيت.
بمعنى أن لابد للمتزوج من أن يستعين على قضاء تعامله مع زوجته بالحشيش.
البرود الجنسي الذي سببه ختان النساء، جعل الرجال يبحثون عن الحشيش الذي يجعلهم يتوهون ويشردون فتطول مدة التعامل مع الزوجات، وتجعلهم يصمدون أمام رغبات زوجاتهم، وبدون الحشيش ستتم العملية قبل أن تحس المرأة بالرجل.

اظهر المزيد

allewaaelaraby

جريدة سياسية اجتماعية شاملة مستقلة تهتم بالشأن العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى