من النصر العسكري إلى التحديات التنموية: أين نحن الآن؟

بقلم ؛النائبة / إيفا فارس
حين نعود بذاكرتنا إلى لحظة السادس من أكتوبر، لا نستحضر فقط مشهد العبور، ولا ذلك الانتصار العسكري الذي غير موازين القوى في المنطقة، بل نستحضر بالأساس ميلاد إرادة وطنية جديدة. كان أكتوبر شهادة حية على أن الشعوب حين تتوحد خلف هدف، تستطيع أن تكسر قيود المستحيل وتفتح أبواب التاريخ.
لقد أعاد النصر العسكري لمصر كرامتها وللمصريين ثقتهم بأنفسهم، وأثبت أن الأمن لا يتحقق فقط بالحدود، وإنما بالعزيمة والوعي والانتماء. غير أن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم، بعد أكثر من أربعة عقود، هو: هل اكتفينا بالانتصار العسكري كرمز، أم استطعنا أن نحوله إلى وقود لمعركة التنمية؟
الحرب كانت لحظة فارقة، ولكن التنمية مسيرة طويلة ومعقدة. في الحرب كان السلاح هو وسيلة العبور، أما اليوم فالعقل والوعي والإبداع هي أسلحتنا. لقد عبرنا القناة ذات يوم، لكننا اليوم مدعوون لعبور جديد، لا في الجغرافيا، وإنما في واقع الاقتصاد والتعليم والثقافة والمجتمع.
التحديات التي تواجهنا ليست أقل خطورة من العدو الذي واجهناه في الماضي. الفقر والجهل والبطالة وتراجع القيم لا تقل فتكا من المدافع والدبابات. ومثلما انتصرنا في الحرب حين امتلكنا إرادة القتال، فإن التنمية لن تتحقق إلا إذا امتلكنا إرادة التغيير.
إن ما نحتاجه اليوم هو استدعاء روح أكتوبر لا كذكرى عابرة، وإنما كفلسفة حياة. أن نفهم أن الوطن لا يبنى بالشعارات وإنما بالفعل، وأن النهضة ليست قرارًا من فوق بل فعلًا جماعيا يبدأ من الإنسان. فإذا كان العبور العسكري قد استعاد الأرض، فإن العبور التنموي وحده القادر على استعادة المستقبل.
لقد آن الأوان أن نعيد صياغة سؤال أكتوبر في صيغة جديدة: هل نحن مستعدون لعبور آخر؟ عبور يقهر التحديات الاقتصادية، ويضع التعليم في مكانه الصحيح، ويمنح الشباب مساحة للإبداع، ويجعل من العدالة الاجتماعية ركيزة للاستقرار، ويعيد للثقافة دورها في بناء وعي الأمة.
المعركة الآن لم تعد بين جيشين على ضفاف القناة، بل بيننا وبين ذواتنا، بين حاضر يثقل كاهلنا وتاريخ يلهمنا، بين تردد يخشى التغيير وإرادة تتوق إلى النهضة. والرهان الأكبر هو أن ندرك أن التنمية هي معركة وجود لا تقل قداسة عن معركة الأرض.
ندائي إلى الشباب وإلى كل من يؤمن بهذا الوطن: لا تجعلوا أكتوبر مجرد ذكرى تمر كل عام، اجعلوه طاقة تتجدد في عقولكم وقلوبكم. فكما عبرنا القناة بالإيمان والإصرار، يمكننا اليوم أن نعبر نحو مستقبل أفضل بالإبداع والعمل. كل جيل له عبوره الخاص، وعبورنا الآن هو أن نحول الحلم إلى واقع، وأن نصنع نهضة تليق بتاريخنا وتليق بإنسان هذا الوطن