أحدث الأخبارسياسةشؤون عربيةمقالات

وماذا بعد فتح السد؟

بقلم: النائبة/ إيفا فارس

في لحظة مشبعة بالتاريخ والماء، فتحت إثيوبيا بوابات سد النهضة، فانطلقت المياه من قلب الهضبة إلى مجرى النيل، لتبدأ مرحلة جديدة من حكاية لم تنته بعد. لم يكن فتح السد حدثا هندسيا فحسب، بل كان إعلانا سياسيا واستراتيجيا يمس وجدان المصريين، الذين عاشوا على ضفاف النهر آلاف السنين مؤمنين أنه سر الحياة لا مجال للمساومة عليه.

المشهد الآن معقد ومتداخل. فيضانات مفاجئة أصابت بعض مناطق الدلتا، وإجراءات عاجلة اتخذتها مصر لفتح بوابات السد العالي حفاظا على التوازن المائي. وبين تدفق المياه وتصاعد المواقف، يظل السؤال الأعمق:
هل بدأ زمن جديد للنيل، أم لحظة اختبار جديدة لمصر؟

رغم التحديات، أظهرت الدولة المصرية جاهزية وقدرة عالية على إدارة الأزمة. فالسد العالي أثبت مرة أخرى أنه حائط الأمان الحقيقي، وعمليات المتابعة والرصد المائي تعمل بكفاءة في مواجهة التقلبات المفاجئة. كذلك، تحرّكت الدبلوماسية المصرية بخطى محسوبة، حاملة صوتا واضحا: “لن نفرط في قطرة من حقنا التاريخي.”

لكن ما بعد فتح السد لا يقتصر على فيضان أو أزمة عابرة، بل هو مرحلة إعادة تعريف للأمن المائي المصري. فالمياه لم تعد مجرد مورد طبيعي، بل أصبحت ورقة ضغط سياسية، ومؤشرًا على توازن القوى في القارة الإفريقية.

مصر، بخبرتها التاريخية وحنكتها السياسية، تتعامل مع الموقف ليس بانفعالٍ، بل برؤية استراتيجية طويلة المدى، تعيد فيها صياغة سياساتها المائية والزراعية، وتُسرّع من مشروعات التحلية وإعادة الاستخدام، وتفتح أفقا جديدا للتعاون مع دول الحوض الأخرى على قاعدة الاحترام والحقوق المشتركة.

وفي النهاية، يظل النيل — رغم كل ما يمر به — شاهدًا على أن مصر لا تهزم بالماء، بل تولد منه كل مرة من جديد

اظهر المزيد

allewaaelaraby

جريدة سياسية اجتماعية شاملة مستقلة تهتم بالشأن العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى