أحدث الأخبارمقالات

زيارة تتحدى الصمت: كيف منحت إسبانيا لغزة حضورًا جديدًا؟

بقلم:خبيرة البروتوكول والاتيكيت / نيفين فارس

حين تتقاطع الضمائر مع السياسة
في زمن يزدحم بالأحداث وتضيع فيه القيم أحيانًا بين دهاليز السياسة، تبرز لحظات تعيد للإنسانية معناها. زيارة الملك الإسباني لمصر لم تكن مجرد بروتوكول سياسي أو تبادل للمصالح الاقتصادية، بل حملت بين طياتها نبرة إنسانية واضحة، ورسالة فلسفية عميقة: أن الكرامة الإنسانية لا تجزأ، وأن الألم في غزة ليس بعيداً عن الضمير الأوروبي.

من القاهرة، جددت إسبانيا موقفها الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني، مؤكدة أن أزمة غزة أزمة إنسانية لا تحتمل. كان هذا امتدادا لمواقف إسبانيا السابقة، التي طالما حاولت أن تمنح السياسة بعدا أخلاقيا
• ففي مايو ٢٠٢٤، كانت مدريد من أوائل العواصم الأوروبية التي اعترفت رسميا بدولة فلسطين، متحدية للتيار الاوربي
• أوقفت إسبانيا تصدير السلاح إلى إسرائيل أكثر من مرة، مؤكدة أن الدم لا يمكن أن يكون تجارة.
• عززت دعمها لـ الأونروا، إدراكا منها أن اللاجئين الفلسطينيين لا يحتاجون فقط إلى كلمات تضامن، بل إلى مدارس، غذاء، ورعاية صحية تحفظ كرامتهم.
• لم تخفِ مواقفها النقدية من العدوان على غزة، حتى لو أثارت حفيظة بعض القوى الكبرى.
لكن ما يميز الزيارة الأخيرة هو أن الرسالة جاءت من قلب القاهرة، عاصمة الضمير العربي، لتكتمل الثنائية: صوت إنساني أوروبي يتلاقى مع دور مصري أصيل في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين.
لغة الخطاب الإسباني في مصر لم تكن حسابات أرقام فقط –عائد استثمار هنا، ومشروعات هناك– بل حملت رؤية فلسفية ضمنية: أن العالم إذا تجاهل مأساة غزة، فإنه يهدم أسس العدالة والحرية التي يدعي الدفاع عنها.

ومع أن السياسة غالبا ما تلتف حول المصالح، إلا أن مواقف مثل هذه تمنح شعوبا محاصرة شعورا بأن العالم لم يصم تمامًا. وربما، في فلسفة التاريخ، لا تغير المواقف المنفردة الواقع فورأ، لكنها تبقى حجارة تلقى في بركة الركود لتفتح دوائر أمل جديدة.
زيارة إسبانيا لمصر لم تكن مجرد محطة بروتوكولية، بل صرخة إنسانية تذكرنا أن القيم يمكن أن تجد مكانها وسط المصالح. وإذا كانت غزة اليوم جرحا مفتوحا، فإن أصواتا مثل صوت إسبانيا تعيد رسم الخريطة الأخلاقية للعالم، وتؤكد أن الضمير الإنساني قد يتأخر، لكنه لا يموت

اظهر المزيد

allewaaelaraby

جريدة سياسية اجتماعية شاملة مستقلة تهتم بالشأن العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى