أحدث الأخبارفنون وثقافةمقالات

موسم الرياض والفنانين المصريين … قراءة ثقافية

د. حسام عطا
يدرك المتأمل في دراسة حركة التغيير الثقافي والاجتماعي في المملكة العربية السعودية أن ما تم إعلانه بشأن العزم عن استقدام الموسيقيين والفنانين المسرحيين المصريين إلى موسم الرياض هو قرار كنا ننتظره، فقط جاء سريعاً وقبل ميعاده المتوقع بكثير.
إن الخطة المؤسسية للمملكة منذ الاهتمام الباكر بالمسرح المدرسي هناك مع بداية التسعينيات في القرن العشرين تؤكد أن ما يحدث في موسم الرياض فعلاً ثقافياً يسمى في رسم السياسات الثقافية بالصدمة الثقافية، انفتاح كبير مفاجئ وصادم استهدف إنشاء تقاليد اجتماعية جديدة وعادات جديدة في تلقي الفنون بشكل جماعي ومرحب به في المملكة، ولذلك فلم يكن متاحاً أقرب من نجوم مصر المحبوبين هناك وفي الوطن العربي الكبير لتحقيق هذا الهدف وإحداث تلك الصدمة الكبرى.
كنت قد أشرت منذ اندلاع الجدل حول موسم الرياض إلى الفرقة السعودية الوطنية للموسيقى وأيضاً كتبت عن ما تفعله هيئة فنون المسرح والأداء السعودية هناك من عمل ثقافي منتظم يقدم المسرح الجاد بمعناه الجمالي والمعرفي، السعودية لديها نجومها ومبدعيها ومتمرديها من الفنانين منذ زمن بعيد.
إلا أن الصدمة الثقافية كان لها شروط ومنها قدرتها على الجذب الجماهيري الكبير والابتعاد عن مناقشة القضايا القضايا التي تشغل الرأي العام العربي.
ومن هنا ولهذا السبب حظي النوع المسرحي بالتحديد الذي تم تقديمه هناك في الرياض بنجوم الفن المصري بكثير من النقد.
وكان جوهر ذلك النقد هو الإصرار على مغادرة المعنى والبقاء في الضحك المستمر بعيداً عن جوهر الكوميديا بمعناها الإبداعي.
حدث أيضاً غضب داخل أروقة الوسط الفني والثقافي لتداخل الاختصاص وتضاربه عندما دخل للإنتاج ولتقديم المشورة وللإخراج مسئولون كبار في مؤسسات رسمية مصرية ونقابات فنية مؤثرة، ومع ازدهار موسم الرياض اقتصادياً حدثت تغيرات جذرية في أجور الفنانين النجوم وأنصاف النجوم، بل والفنيين والمختصين في تشغيل خشبات المسارح.
فبدت الأجور المحلية المتاحة في عملية الإنتاج المسرحي والسينمائي ثم في الدراما التلفزيونية في ما بعد، كأجور غير مجزية للأفراد الذين اعتادوا على العمل بمقابل كبير جداً بالنسبة لما هو متاح ومعتاد في عالم الإنتاج في مصر.
مما ساهم في اختفاء النجوم عن مسرح الدولة ومسرح القطاع الخاص في مصر، وهو النوع المسرحي الذي أوشك على الاختفاء تماماً، رغم أنه سبق وأن منح العاملين فيه الثروة والشهرة معاً.
وبعض من نشطاء التواصل الاجتماعي الذين لا يتابعون الأمور بدقة أعلنوا شماتتهم في فناني مصر، بينما لم يذهب إلى هناك من فناني مصر إلا عدد محدود، منهم حصل على الجنسية السعودية، وقد أعلن أحدهم أن هؤلاء المتجنسين الجدد سيكون دورهم في أولويات الموسم في المرحلة القادمة لعب الأدوار الثانية بجانب النجوم والأبطال من ممثلي المملكة والخليج.
والسعودية لديها نجم تاريخي يحبه العرب جميعهم هو الممثل النجم/ ناصر القصبي، ولديهم صوت العرب/ محمد عبده، ولديهم مؤلفة حصلت على اعتراف دولي هي د. ملحة عبد الله، ولديهم جيل جديد من الممثلين يتعلمون في أكاديمية الفنون المصرية، ويدرسون الفنون التعبيرية حول العالم.
ولدى السعودية أكاديمية للفنون تم تصميمها على يد خبراء من اليابان للتدريب على الفنون منذ الطفولة حتى الاحتراف وهي على وشك الانطلاق، وجامعة الرياض تدرس الفن المسرحي في دبلوم الدراسات العليا منذ عقود مضت.
إنها ليست إذن مسألة مفاجأة، هو منطق طبيعي يستعد لإنتاج الفنون التعبيرية في مرحلة ما بعد الصدمة الثقافية.
المسألة هنا في مصر تحتاج إلى تفاهم جاد وواضح وحاسم مع دوائر الإنتاج السعودية الخاصة والتي تقدم درامات رمضانية عن الشقيقة المصرية، وهي مؤسسات هادفة للربح ذات ميزانيات كبرى تحتاج لأن تترك الحديث عن مصر للمصريين وأن توجه جهدها مع المؤسسات السعودية الرسمية صوب المجتمع السعودي وما يحتاجه من موضوعات، وفي هذا أيضاً دور هام للنقابات الفنية يجب أن يكون حاضراً مع السادة الأعضاء العاملين بها، والذين يشاركون في تلك الأعمال التي تصنع صورة ذهنية غير صحيحة عن الشارع المصري عامة، وعن الحارة المصرية خاصة وبطلها الشعبي.
وهكذا وبتفكير يتأمل السياسية الثقافية أتطلع إلى عودة الإنتاج المصري المنتظم كما كان على الطريقة المصرية، بعد استقرار أسعار الإنتاج وعودتها لطبيعتها بخروج الأجور الخيالية لموسم الرياض من دوائر الإنتاج في الفترة القادمة.
والتي أتمناها مزدهرة للإنتاج المصري والسعودي معاً من أجل وعي معرفي وجمالي نحتاجه كثيراً في الوعي العام العربي.

اظهر المزيد

allewaaelaraby

جريدة سياسية اجتماعية شاملة مستقلة تهتم بالشأن العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى