السودان

رحلة في ذاكرة الوطن

بقلم ا.د باسم القارح – السودان
في مبادرة ثقافية وطنية تعيد ربط الأجيال السودانية بجذورهم الحضارية، نظّم مكتب الهيئة العامة للآثار والمتاحف – القاهرة يومًا توعويًا خاصًا بالتراث السوداني، استهدف طلاب مدرسة المورد الجديدة النموذجية، إحدى المدارس السودانية العاملة بالعاصمة المصرية.

جاءت هذه الفعالية في ظل ما يشهده التراث السوداني من تهديدات خطيرة بسبب الحرب الدائرة في البلاد، وما تبعها من عمليات نهب وتخريب لمواقع وآثار تاريخية تمثل هوية الشعب السوداني. وسعت المبادرة إلى تعزيز الوعي بأهمية هذا الإرث الثقافي، خاصة لدى الأجيال التي اضطرتها الظروف للابتعاد عن أرض الوطن.
وتضمّن اليوم التوعوي فقرات متنوعة صُمّمت بأسلوب تفاعلي جاذب، بدأت بتقسيم الطلاب إلى مجموعات، جسّدت كل منها حقبة من الحقب الحضارية في تاريخ السودان مثل: العصور الحجرية، كرمة، نبتة، ومروي، حيث قام مشرفو المجموعات بشرح هذه الفترات بطريقة مبسطة ومشوّقة.

كما تم عرض فيديو تسلسلي تعليمي أبرز الملامح التاريخية والثقافية للحضارات السودانية، إلى جانب تقديم مسرحية رمزية من تأليف شخصي الضعيف، أدّاها الطلاب ببراعة، وجسّدت رموز المجتمع السوداني من خلال شخصيات مثل الملكة، رجل الدين، المحارب، والطفلة “عازه” التي كانت رمزًا للوطن الجريح.

واشتملت الفعالية أيضًا على نشاط جماعي بعنوان “لماذا تحب تراثك؟”، شارك فيه الطلاب برسومات وكلمات عبّرت عن ارتباطهم العاطفي والثقافي بتراثهم، واختُتم اليوم بمبادرة رمزية مؤثرة تحت عنوان “بصمة حب السودان”، حيث وضع الحضور من طلاب ومعلمين وأعضاء المكتب بصماتهم على لوحة كبيرة كدلالة على انتمائهم واعتزازهم بالوطن.

وقد كان التوثيق بعدسة الأستاذ قاسم ناصر، رئيس قسم التصوير بهيئة الآثار والمتاحف، الذي التقط بعدسته لحظات لا تُنسى جسدت ألوان الفرح والانتماء والحب للوطن.

لاقى البرنامج تفاعلاً كبيرًا وإشادة من إدارة المدرسة والمعلمين وأولياء الأمور، لما حمله من رسائل وطنية وإنسانية تُعيد بناء الجسور بين أبناء الجالية السودانية بالخارج وتراثهم الممتد عبر آلاف السنين.

وأكد القائمون على البرنامج أن هذه الفعالية ستكون باكورة لبرامج مماثلة تُنظَّم في مدارس أخرى، بهدف تكوين جيل أكثر وعيًا بقيمة تاريخه، وأكثر ارتباطًا بهويته الثقافية.
وماذا بعد؟
لم يكن هذا اليوم مجرد فعالية مدرسية، بل كان وعدًا.
وعد بأن الوطن، مهما تفرّقت جغرافيته، سيظل واحدًا في الوجدان.
وعد بأن جيلًا جديدًا — تربّى على الحنين والمعرفة — سيكون أكثر وفاءً للتراب، وأكثر التصاقًا بما لا يُشترى ولا يُفقد: الهوية.

هكذا اختتمت مدرسة المورد يومها… لا كصفّ دراسي، بل كذاكرة حيّة، ومتحف بلا جدران، وحضنٍ للوطن في بلدٍ كريم، آمن، منحنا من مساحته صدرًا رحبًا، ومن روحه فرصة أن نواصل رسالتنا، نربط أبناءنا بالوطن الأم، كما لو أننا ما زلنا نُقيم على ترابه.
على هامش الامتنان
شكرًا مصر… يا جارة القلب، ورفيقة محنة الغياب.
شكرًا لأنكِ جعلتِ من غربتنا دفئًا، ومن خطواتنا امتدادًا لجذورنا.
لأنكِ منحتِ لأحلامنا حدالتربوية مساحة تتحقق، ولأبنائنا فرصة أن يعرفوا من أين جاؤوا… كي يعرفوا إلى أين يمضون.

اظهر المزيد

allewaaelaraby

جريدة سياسية اجتماعية شاملة مستقلة تهتم بالشأن العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى