مصر و القضية … دعم لا يتزحزح

كتبت : شيرين عصام
لم تكن مصر يومًا بعيدة عن القضية الفلسطينية، بل كانت وما تزال القلب النابض لها، والحصن العربي الأصيل الذي ساند الشعب الفلسطيني في كل مراحل نضاله.
فمنذ بدايات المشروع الصهيوني، وحتى اليوم، شكّل الموقف المصري صخرة تتكسر عليها محاولات طمس الهوية الفلسطينية أو فرض واقع الاحتلال.
في عام 1917 حين صدر وعد بلفور المشؤوم رفضت مصر رسميًا هذا الوعد الذي أعطى من لا يملك لمن لا يستحق.
ومنذ ذلك الحين احتضنت مصر النضال الفلسطيني وساندت ثوراته ضد الاحتلال البريطاني والهجرة اليهودية، ولا سيما الثورة الكبرى عام 1936، حيث لعبت الصحافة المصرية والمفكرون دورًا بارزًا في تسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني.
ففي عام 1948 حين أعلنت إسرائيل قيام دولتها على أرض فلسطين، لم تتردد مصر في الدفع بجيشها للقتال إلى جانب الفلسطينيين في حرب 1948، رغم ضعف الاستعدادات العسكرية في ذلك الوقت. وبعد الحرب، تولت مصر إدارة قطاع غزة، لتكون بذلك أول دولة عربية تتحمل مسؤولية مباشرة عن الفلسطينيين على الأرض.
و رغم قسوة الهزيمة في حرب 1967، واحتلال قطاع غزة وسيناء، لم تتراجع مصر عن دورها، بل احتضنت الفصائل الفلسطينية، ووفرت لها الغطاء السياسي والعسكري. واستمرت في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين في كل المحافل الدولية.
ثم جاءت حرب أكتوبر 1973 لتعيد لمصر والعرب كرامتهم. ورغم أن الحرب كانت لتحرير الأرض المصرية، فإنها رفعت الروح المعنوية للشارع العربي، وأعادت زخم القضية الفلسطينية إلى الواجهة الدولية.
فرغم الجدل الكبير الذي أثارته اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، فإن مصر أكدت مرارًا أن توقيعها للسلام لم يكن على حساب الحقوق الفلسطينية. بل دافعت عن حل الدولتين، ورفضت ضم القدس، وأكدت أن السلام العادل لا يمكن أن يتحقق إلا بقيام دولة فلسطينية مستقلة.
فعلى مدار العقود، كانت مصر الوسيط الأول بين الفصائل الفلسطينية المتنازعة، لا سيما بين فتح وحماس. احتضنت القاهرة عشرات جولات الحوار، وسعت بكل صدق إلى إنهاء الانقسام وتوحيد الصف الوطني الفلسطيني، إدراكًا منها أن وحدة الفلسطينيين هي السلاح الأقوى في مواجهة الاحتلال.
موقف لا يتغيّر… في كل حرب تُشعلها إسرائيل ضد غزة، كانت مصر أول من يفتح المعابر للمساعدات والجرحى، وأول من يسعى لوقف إطلاق النار. كما تواصل القاهرة تحركاتها الدبلوماسية في مجلس الأمن والأمم المتحدة، مطالبة بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة، ورافضة للاستيطان، وسياسة التهجير والتهويد.
ليست القضية الفلسطينية مجرد مسألة سياسية بالنسبة لمصر، بل قضية وجود، وكرامة، وعروبة. وعلى الرغم من المتغيرات الإقليمية والدولية، يبقى موقف مصر راسخًا، منحازًا للحق، ومدافعًا عن شعب لم يعرف سوى النضال، ولم يتنازل يومًا عن حلمه بالحرية والاستقلال.