غوروا هاتوا يورو

بقلم محمود حسن
” غوروا هاتوا يورو ” هذه الجملة سمعتها كثيرا من بعض الآباء لأبنائهم ، وأغلبهم لا يتعدى عمره الرابعة عشر ، بسبب الفقر أو الغيرة ،
فالحاجة تدق أعناق الرجال ‘ وتزلزل أركان البنيان الرصين ، وتقضي على الرصيد الإستراتيجي للمجتمع ، وهو الشباب الذي يرحل منه الآلاف كل يوم ، ليصنع لنفسه مصيرا ذو ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من لهب ،
فإما أن يحفر قبره بيده في مياه البحر ‘ أو يغرق في رمال الصحراء ‘ أو ينجو بمعجزة فيتناثر في طوفان الغربة ويسقط في حضيض العمالة المذلة الدنيئة ‘ والنية بريئة ،
وكان جل آماله أن يوفر لأهله ونفسه حياة كريمة ‘ ويلتقط إسمه من مفرمة البطالة ، فإذا به يهوي بلا هوية في طاحونة البطلان ، فيسفح دماء كرامته ‘ ويقايض غثا بثمين ، فبئست المقايضة من أجل حفنة أوراق يدفع نظيرها الكثير من الثوابت التي لا تعوض ،
فيهوي في نظر نفسه ‘ ويسقط من حسابات أسرته ، إلا عن كونه مطبعة للأوراق المالية ‘ ويستبعد من قائمة مجتمعه ‘ ويتلاشى من سجل أصدقائه ،
واذا ما فكر في العودة لوطنه فإنما ينتقل من غربة إلى غربة جديدة ذات أنياب أشد شراهة لتمزيق جثمانه الذي عاد في صندوق من الذهب الأسود ‘
وما أمر غربة المرء بين أهله ‘ إنها مرارة ما بعدها مرارة ، فيحيا ميتا او يموت حيا بين أبنائه وذويه ينظر إليهم وهو عاجز عن التواصل معهم حيث الذكريات المنسية والمشاعر الباهتة ،
فماذا عساه يكون قد ربح ؟
وهل كان محقا أم كان مخطئا ؟
أم أنها خطيئة الأم التي ولد منها وفيها ، ونبت من ترابها والتي أفقدتها العوامل الخبيثة الخصائص الطبيعية لغريزة الأمومة فلفظت ابنائها بقسوة لتقطع أمعائهم بسموم ثدي المرضعات الأجانب ‘ فينمو مجنسا او منجسا فاقدا للولاء للإثنتين الأم والمرضعة من فرط ما به من ألم وحيرة وتساؤل لماذا فطمته مبكرا وهو يمتلك من الطاقة ما يمكنه أن يعطيها مقابل الرضاعة الكثير من عرقه ودمه . لماذا طردته من جنتها ليجد نفسه يزرع في الجبال الوعرة ويلعق بلسانه المخلفات القذرة ،
وأمه تمتلك بين جناحيها واديا أصفرا شاسعا مستويا ربانيا كخد الحصان ،
كيف يطلقون عليها صحراء وهي ممهدة ملساء لا تحتاج إلا لقطرات ضئيلة من العرق المخلص بدلا مما يذرفه من نزيف الدم فوق صخور الأغراب الشاهقة ،
فثروتنا البشرية ذات طاقات غير محدودة ،
كيف نهدرها ونتركها للهجرة الشرعية وغير الشرعية ، لتبني في أرض غير أرضها وملك غير ملكها ؟؟
فشبابنا طاقة تنشد من يستثمرها ‘ تأمل فيمن يحتويها ويستعملها ‘ تطلب من يكتشفها ويستخرجها ‘ تحلم بمن يقدرها حق قدرها ‘ لتوقد في ظلمة الليل مشاعل أمل لغد أفضل ،
أليست هذه هي الثروة البشرية التي حينما أحسن استثمارها رفعت أمم إلى أعلى القمم ؟
” يا بلدنا يا بلد
هو من إمتى الولد
بيخاف من أمه
لما في الضلمه تضمه
بس آه
آاااه .