أحدث الأخبارسياسةمقالات

دونالد ترامب و مركز كيندي للفنون المسرحية…قراءة درامية للسياسة الأمريكية

د. حســام عطـــا


بالنظر في إتجاه أرض الأحلام والتي نادت على كل فتى ذهبى من كل أنحاء الدنيا، أرض الحلم الأمريكي يعترينى حزن كبير على هذا الجزء المشرق في أمريكا وشعبها الطيب والذي هو في معظمه لا يهتم كثيراً بالسياسة الخارحية لبلاده.
أما هذا الوجه المشرق فهو في بعض منه الإنجاز الحضاري للمسرح الأمريكي في مركز كيندي للفنون المسرحية بواشنطــــــــــن.
ولأن المسرح هو المجال الحي للضمير الإنساني عبر التاريخ، فإن مركز كيندي للفنون المسرحية ظل كذلك، إلا أنه قد تعرض مؤخراً لما يشبه الإغلاق على يد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في بداية ولايته الثانية.
وهي مسألة تشير إلى مخاطر قادمة بشأن التنوع الثقافي الأمريكي، وتثير الكثير من التوتر بشأن مستقبل حرية الفنون التعبيرية والحريات الإعلامية هناك، إذ أن المسرح الأمريكي خارج بوردواي هو الوجه الثقافي الهام المهتم بتعزيز القيم الإنسانيـــــة.
ولذلك فدعوة أهل المسرح حول العالم لمتابعة ما يحدث هناك في مركز كيندي، هي جزء من الفهم الفعال لفكرة أن الدراميين حول العالم تجمعهم فكرة مهنية عالمية.
إذ أن المسرح هو المنجز الإنساني المشترك بشأن الضمير والخيال والتناقض الحاد مع قيم المصلحة المباشرة ومبادئ الواقع الصغيرة والمكاسب المحكومة بلغة القوة والإنكار.
إذ طالع المسرحيون حول العالم ما أعلنه السبت الثامن من فبراير الرئيس الذي جاء عبر ديموقراطية الإنتخاب الحر دونالد ترامب بشأن أنه يخطط لطرد مجلس أمناء مركز كيندي للفنون المسرحية في واشنطن، إذا يريد أن يتولى هو بنفسه تحديد برامج المركز، وترأس مجلس الأمناء فيه.
كما أن الطريقة الممسرحة في إعلان القرار بشأن طرد عددا من مجلس الأمناء للمركز التاريخي، ووصفه لنفسه بأنه سيكون رئيساً ملهما لمركز كيندي للفنون المسرحية، تأتي في إطار علاقة لها تاريخ غير ودي مع مسرح أمريكا الأول، ذلك أن المركز عندما أقام حفلا لإستقباله في فترتـــــــه الرئاسيــــــة المنصرمـــــة (2017 / 2021) كان أن رفض عدد من المثقفين والفنانين الأمريكيين المكرمين في الحفل حضور هذا الإستقبال، وهكذا وعبر تاريخ المركز الثقافي المضيء في واشنطن، أصبح دونالد ترامب هو الرئيس الوحيد من رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية الذي لم يقم المركز له حفلا للإستقبال، كما أنه لم يحضر فعالية واحدة للمركز، وهو الإستثناء الوحيد لمدة خمسين عاماً منذ إفتتاح كيندي للفنون المسرحية.
وهكذا يسعى ترامب إلى إقالة رئيس مجلس الأمناء ديفيد روبنشتاين، وهويعمل وينجز في مركز كيندى منذ تعينيه بقرار الرئيس الجمهوري الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش، كما حظي روبنشتاين بالتجديد في المنصب بثقة كل من الرئيس بارك أوباما وجو بايدن.
وهكذا وعبر طريقة الرئيس ترامب الساخرة ذات الطابع الإستعراضى الذي يوافق ولعه القديم بالنجوم من الفنانين في هوليوود، فقد أعلن أنه قد وجد شخصاَ مذهلاً ليقود العصر الذهبي للثقافة والفنون المسرحية في الجوهرة الأمريكية مركز كيندي.
وهذا الشخص المذهل هو دونالد ترامب نفسه في دور الفنان صاحب الحلم القديم في فن التمثيل، والذي إختاره الرئيس ترامب في هذا الموقع الثقافي الأمريكي، في أداء إنقسام وتعدد أوجه الشخصية الواحدة.
أما جوهر مركز كيندى للفنون المسرحية كي نتذكر قيمته الرمزية التي يحظى بها كحلم للفنانين الأمريكيين بل والمسرحين حول العالم، فتأتي من كونه المركز الثقافي المخصص لتقديم الموسيقى الكلاسيكية والمعاصرة والأوبرا والرقص وغيرها من الفنون المسرحية، وإن كانت فنون المسرح والأداء هي العنوان الأكثر ترددا في عمله الإبداعي الجمالي والمعرفي، وميزته التي تميزه عن فنون برودواى المسرحية ذات الإنتاج التجاري الكبير.
وهو الإدراك الأمريكي لأهمية كتاب مثل يوجين أونيل وتينسى وليامز، وبعض من كتاب اليسار الأمريكي الذين حملوا ضمير الإنسانية مضيئاً داخل المجتمع الأمريكي.
مثل كليفورد أوديتس الذي كتب ضد وحشية الرأسمالية الأمريكية مكملا طريق يوجين أونيل الذي حصد جائزة نوبل عن عمله المسرحي التراكمي.
إن صوت مركز كينيدي المتفرد يسمح لمسرحيات مثل في إنتظار اليسار لأوديتس بأن تعبر إلى الجمهور الأمريكي، وهو مركز جاذب لمختلف الأطياف الفكرية وللجماعات الأمريكية ذات الطابع المختلف بل وشديدة الإختلاف، لأنه تأسس على الفهم العميق للقيم الإنسانية المشتركة، والقدرة على رؤية التشابه الإنساني والمشتركات البشرية رغم عمق الإختلاف.
وهو ما سعى إليه الرئيس الأمريكي الأسبق دوايت أيزنهاور في عام 1955، عندما سعى نحو أن تصبح أمريكا قوة ثقافية تماثل قوتها العسكرية والإقتصادية، ليعمل على إستخدام الثقافة والمسرح لتعزيز مكانة بلاده على الصعيد الدولي، وفي ذلك شكل أيزنهاور لجنة رفيعة المستوي عملت على مدار سنوات ثلاث للتخطيط لإنشاء مركز ثقافي كبير في العاصمة السياسيـــــــــــة واشنطن.
وفي ذلك السعي المؤسسي، أكمل الرئيس الأمريكي الذي تلاه، وهو جون كيندي العمل وتم اطلاق المركز، ليصبح أسمه مركز كيندي للفنون المسرحية.
وفي هذا تصميم إبتكاري للديمقراطية الغربية وتطورها في الولايات المتحدة الأمريكية لدور الفنون، وخاصة المسرح في لعب أدوارمضادة للسياسة الواقعية الأمريكية في الداخل والخارج، وذلك تحقيقا لفكرة التكامل عبر التضاد في عمل مؤسسات الدولة الأمريكية ومجتمعها المدني. وهي الطريقة التي يمكن فهمها عبر دعم عدد من نجوم هوليوود للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بل وظهور الشارات الفلسطينية المتعددة في حفلات توزيع جوائز الأوسكار.
وهو هذا التنوع والتصميم المبتكر الذي حافظ على حيوية الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى وغسل الكثير من علامات الإمبريالية الإستعمارية والتمييز في الداخل والخارج الأمريكي، ولذلك فالرئيس ترامب يقوم بتفكيك هذا التفكير المؤسسي في عمل المؤسسات الأمريكية التاريخية، وهو خطر عميق على المنجز الأمريكي التاريخي في تلك الإدارة التي تجمع بين المتناقضات وتحرص على تمثيل ووجود الأفراد الفاعلين من كل أنحاء العالم، وتفتح بابها للمتميزين في كل مكان بوعد الهجرة وفرص التمكين المهني، وهذا هو جوهر فكرة الحلم الأمريكي الذي يقوم الرئيس ترامب عبر هجومه على المهاجرين هناك أيضاً بالسخرية منه، وهو التنوع الفاعل الذي هو السر الأهم في تنوع الولايات المتحدة الأمريكية وقدراتها البشرية الثرية، وهو سر مدمج بحفظ الولاءات الأولى الأصلية لهؤلاء المهاجرين في أوطانهم الأولى، إنه سر النور الذي يصدر عنهم، هذا النور الذي صدر عن عمر الشريف وأحمد زويل وفاروق الباز والمفكر الفلسطيني إدوارد سعيد وغيرهم لصالح أمريكا التي منحتهم التميز المهني، فكان الولاء منهم لها عبر حرية الإختيار، وهو ولاء لم يمنع ولائهم الأصلي لأوطانهم الأم.
إنه السر الذي يتجاهله ترامب والذي يثير حفيظه مجتمع هو بطبيعة مكون من كتلة أنجلو ساكسونية أوربية الأصل، وأعداد كبيرة من الزنوج وأعداد متفاوتة في نوعية ومستوى الأفراد من كل البلدان حول العالم ومن كافة الأعراق والثقافات والأديان.
وهو ما سيؤدي إلى توتر داخلي أمريكي لدى أفراد الشعب، مماثل لهذا التوتر الحاد الذي يعيشه مركز كيندي للفنون المسرحية الآن، وما يراه الأمريكيون من الإنحياز التام لدائرة ترامب الخاصة، والإنتقام السياسي من الخصوم، وهي مسألة تهدد النظام السياسي الأمريكي في جوهره.
إذ أنها مسألة تدخل في تفكيك المكون الديموقراطي الأمريكي، لأن الرئيس كما جرت العادة هو رئيس لكل الأمريكين، ولا يجوز تاريخيا ومؤسسيا إساءة إستخدام الديموقراطية عبر صندوق الإنتخاب، ثم تصفية الحسابات مع كافة مكونات المجتمع الأمريكي ومؤسساته المتعددة.
أما في ما يتعلق بالذهاب الحاد في إتجاه معاكس للسياسات الأمريكية الخارجية في ما يتعلق بكندا والمكسيك وجرينلاند والصين ومشكلة فلسطين والعلاقات الإستراتيجية المصرية الأمريكية، وإنكار الدور الأمريكي التاريخي للولايات المتحدة كعراب لعملية السلام في المنطقة العربية وكمؤسس داعم لحل الدولتين، وكحارس لإتفاقيات السلام الهادفة لإنهاء النزاعات المسلحة في الصراع العربي الإسرائيلي، فهي خسارات كبيرة للجميع.
وفيها يجب أن نتطلع نحو حوار جاد وخطاب صريح مع المؤسسات الأمريكية والشعب الأمريكي، ومنها التواصل مع مركز كيندى للفنون المسرحية، للحديث عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني عبر الفن المسرحي، ليكون جسراً يمكن إقامته عبر مؤسسات الثقافة المصرية المتعددة، إنه أحد الأدوات التي يجب أن تقف خلف الإرادة الوطنية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وقدرات مصر الصلبة جيشاً وشعباً.
لأننا في المسرح نعرف هذا الأداء المسرحي الإستعراضي المتأسس على المفارقة الدرامية والمحاكاة التهكمية، وهو أداء جديد حقاً على صعيد السياسة الدولية.

اظهر المزيد

allewaaelaraby

جريدة سياسية اجتماعية شاملة مستقلة تهتم بالشأن العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى